السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ........ أهلا ومرحبا بكم في ساحة التنمية البشرية والتطوير الإداري

الأحد، 1 مايو 2011

الائتمان المصرفي .

أولاً:  الائتمان المصرفي ( مفهومه، أسسه ومعاييره، والعوامل المؤثرة في قرار منحه ):    
1- مفهوم الائتمان المصرفي ونشأته:
إن أصل معنى الائتمان في الاقتصاد هو القدرة على الإقراض، واصطلاحاً:  هو التزام جهة لجهة أخرى بالإقراض أو المداينة، ويراد به في الاقتصاد الحديث:  أن يقوم الدائن بمنح المدين مهلة من الوقت يلتزم المدين عند انتهائها بدفع قيمة الدين، فهو صيغة تمويلية استثمارية تعتمدها المصارف بأنواعها.
ويعرّف الائتمان بأنه:  " الثقة التي يوليها المصرف لشخص ما سواء أكان طبيعياً أم معنوياً، بأن يمنحه مبلغاً من المال لاستخدامه في غرض محدد، خلال فترة زمنية متفق عليها وبشروط معينة لقاء عائد مادي متفق عليه وبضمانات تمكّن المصرف من استرداد قرضه في حال توقف العميل عن السداد "
وتعرّف القروض المصرفية بأنها تلك الخدمات المقدمة للعملاء التي يتم بمقتضاها تزويد الأفراد والمؤسسات والمنشآت في المجتمع بالأموال اللازمة على أن يتعهد المدين بسداد تلك الأموال وفوائدها والعمولات المستحقة عليها والمصاريف دفعة واحدة، أو على أقساط في تواريخ محددة. ويتم تدعيم هذه العلاقة بتقديم مجموعة من الضمانات التي تكفل للمصرف استرداد أمواله في حال توقف العميل عن السداد بدون أية خسائر. وينطوي هذا المعنى على ما يسمى بالتسهيلات الائتمانية ويحتوي على مفهوم الائتمان والسلفيات، حتى إنه يمكن أن يكتفى بأحد تلك المعاني للدلالة على إحداها.
إن أول أشكال العمل المصرفي كان قبول الودائع التي لم تكن تعطي أصحابها في البداية أي حق بالفائدة، لا بل إنه كان يترتب عليهم في بعض الأحيان دفع جزء منها لمن أودعت لديه هذه الممتلكات لقاء حراستها والمحافظة عليها. ومن ثم أخذت مؤسسات الإيداع هذه بممارسة عمليات الإقراض لقاء فوائد وضمانات تختلف باختلاف طبيعة العمليات والمواد المقرضة، وكانت عمليات الإقراض هذه تتم من ممتلكات المقرض نفسه [. بعد ذلك ومع تطور العمل المصرفي وتراكم الودائع لدى المؤسسات التي تمارس العمليات المصرفية، لاحظت هذه المؤسسات أن قسماً من المودعين يتركون ودائعهم فترة طويلة دون استخدامها ففكروا باستخدام جزء من هذه الودائع، وتسليفها للمحتاجين مقابل فائدة، وبعد أن كان يدفع المودع عمولة إيداع أصبح يتلقى فائدة على ودائعه، وبعد أن ازدادت هذه العمليات لاحظ الصيارفة أن باستطاعتهم منح قروض دون ودائع فعلية مقابلة لما لديهم [. وهكذا من مهمة قبول الودائع في البداية انتقل العمل المصرفي إلى ممارسة عمليات الإقراض والتسليف، ليصبح الركن الأساسي لأعمال المصارف الحديثة هو قبول الودائع والمدخرات من جهة وتقديم التسهيلات الائتمانية والخدمات المصرفية المتعددة الأشكال من جهة أخرى.

2 – أسس منح الائتمان:
الائتمان المصرفي يجب أن يتم استناداً إلى قواعد وأسس مستقرة ومتعارف عليها، وهي:
أ‌-   توفر الأمان لأموال المصرف:   وذلك يعني اطمئنان المصرف إلى أن المنشأة التي تحصل على الائتمان سوف تتمكن من سداد القروض الممنوحة لها مع فوائدها في المواعيد المحددة لذلك.
ب‌-  تحقيق الربح:  والمقصود بذلك حصول المصرف على فوائد من القروض التي يمنحها تمكنه من دفع الفوائد على الودائع ومواجهة مصاريفه المختلفة، وتحقيق عائد على رأس المال المستثمر على شكل أرباح صافية.
ت‌-  السيولة:  يعني احتفاظ المصرف بمركز مالي يتصف بالسيولة، أي توفر قدر كافٍ من الأموال السائلة لدى المصرف - النقدية والأصول التي يمكن تحويلها إلى نقدية إما بالبيع أو بالاقتراض بضمانها من المصرف المركزي- لمقابلة طلبات السحب دون أي تأخير، وهدف السيولة دقـيق لأنه يستلزم الموازنة بين توفير قدر مناسب من السيولة للمصرف وهو أمر قد يتعارض مع هدف تحقيق الربحية، ويبقى على إدارة المصرف الناجحة مهمة المواءمة بين هدفي الربحية والسيولة.
ويقوم كل مصرف بوضع سياسته الائتمانية بعد مراعاة الأسس أعلاه وطبقاً لحاجة السوق، وهي عبارة عن: " إطار يتضمن مجموعة المعايير والشروط الإرشادية – تزود بها إدارة منح الائتمان المختصة – لضمان المعالجة الموحدة للموضوع الواحد، وتوفير عامل الثقة لدى العاملين بالإدارة بما يمكنهم من العمل دون خوف من الوقوع في الخطأ، وتوفير المرونة الكافية، أي سرعة التصرف بدون الرجوع إلى المستويات العليا، ووفقاً للموقف، طالما أن ذلك داخل نطاق السلطة المفوضة إليهم .

3 – معايير منح الائتمان:
ويعتبر نموذج المعايير الائتمانية المعروفة بـ 5C'S [6] أبرز منظومة ائتمانية لدى محللي ومانحي الائتمان على مستوى العالم عند منح القروض، والتي طبقاً لها يقوم المصرف كمانح ائتمان بدراسة تلك الجوانب لدى عميله المقترح كمقترض أو كعميل ائتمان. وفيما يلي استعراض لهذه المعايير:  
أ) الشخصية Character: تعد شخصية العميل الركيزة الأساسية الأولى في القرار الائتماني وهي الركيزة الأكثر تأثيراً في المخاطر التي تتعرض لها المصارف، وبالتالي فإن أهم مسعى عند إجراء التحليل الائتماني هو تحديد شخصية العميل بدقة. فكلما كان العميل يتمتع بشخصية أمينة ونزيهة وسمعة طيبة في الأوساط المالية، وملتزماً بكافة تعهداته وحريصاً على الوفاء بالتزاماته كان أقدر على إقناع المصرف بمنحه الائتمان المطلوب
والحصول على دعم المصرف له. وقياس عامل معنوي كعامل الأمانة والنزاهة بدرجة دقيقة أمر تكتنفه بعض الصعوبات من الناحية العملية، ويتم التغلب على هذه الصعوبات من خلال الاستعلام الجيد وجمع البيانات والمعلومات عن العميل من المحيطين العملي والعائلي له، لمعرفة المستوى المعيشي وموارده المالية والمشاكل المالية التي يعانيها، ومستواه الاجتماعي وسجل أعماله التي قام بها وماضيه مع المصرف ومع الغير وسابق تصرفاته مع المصارف الأخرى. ويتم ذلك عن طريق الاتصال بالمنشأة والعاملين بها، وبمورديها والمصارف التي سبق للعميل المقترح التعامل معها.  
ب) القدرة  Capacity: وتعني باختصار قدرة العميل على تحقيق الدخل وبالتالي قدرته على سداد القرض والالتزام بدفع الفوائد والمصروفات والعمولات. ... ومعيار القدرة أحد أهم المعايير التي تؤثر في مقدار المخاطر التي يتعرض لها المصرف عند منح الائتمان. وعليه لابد للمصرف عند دراسة هذا المعيار من التعرف على الخبرة الماضية للعميل المقترض وتفاصيل مركزه المالي، وتعاملاته المصرفية السابقة سواء مع نفس المصرف أو أية مصارف أخرى. ويمكن الوقوف على الكثير من التفاصيل التي تساعد متخذ القرار الائتماني من خلال استقراء العديد من المؤشرات التي تعكسها القوائم المالية الخاصة بالمقترض. فكلما كانت نتائج دراسة هذا الجانب إيجابية زاد اطمئنان متخذ القرار إلى قدرة المقترض محل الدراسة على سداد القرض المطلوب وفق الشروط المقترحة للقرض وفي مواعيد السداد التي سيتم الاتفاق عليها.
جـ) رأس المال Capital: يعتبر رأس مال العميل أحد أهم أسس القرار الائتماني، وعنصراً أساسياً من عناصر تقليل المخاطر الائتمانية باعتباره يمثل ملاءة العميل المقترض وقدرة حقوق ملكيته على تغطية القرض الممنوح له، فهو بمثابة الضمان الإضافي في حال فشل العميل في التسديد. هذا وتشير الدراسات المتخصصة في التحليل الائتماني إلى أن قدرة العميل على سداد التزاماته بشكل عام تعتمد في الجزء الأكبر منها على قيمة رأس المال الذي يملكه، إذ كلما كان رأس المال كبيراً انخفضت المخاطر الائتمانية والعكس صحيح في ذلك، فرأس مال العميل يمثل قوته المالية.  ويرتبط هذا العنصر بمصادر التمويل الذاتية أو الداخلية للمنشأة والتي تشمل كل من رأس المال المستثمر والاحتياطيات المكونة والأرباح المحتجزة. حيث إنه لابد أن يكون هناك تناسب بين مصادر التمويل للعميل المقترح الذاتية وبين الاعتماد على مصادر التمويل الخارجية.
د) الضمانCollateral : يقصد بالضمان مجموعة الأصول التي يضعها العميل تحت تصرف المصرف كضمان مقابل الحصول على القرض، ولا يجوز للعميل التصرف في الأصل المرهون، فهذا الأصل سيصبح من حق المصرف في حال عدم قدرة العميل على السداد. وقد يكون الضمان شخصاً ذا كفاءة مالية وسمعة مؤهلة لكي تعتمد عليه إدارة الائتمان في ضمان تسديد الائتمان. كما يمكن أن يكون الضمان مملوكاً لشخص آخر وافق أن يكون ضامناً للعميل . وعموماً فإن هناك العديد من الآراء تتفق على أن الضمان لا يمثل الأسبقية الأولى في اتخاذ القرار الائتماني، أي عدم جواز منح القروض بمجرد توفر ضمانات يرى المصرف المقترض أنها كافية. إنما الضمان بصفة عامة تفرضه مبررات موضوعية ومنطقية تعكسها دراسة طلب القرض، مثلاً كأن يرى متخذ القرار الائتماني أنه يمكن اتخاذ قرار بمنح الائتمان إنما هناك بعض الثغرات القائمة أو المتوقعة التي يمكن تلافيها بتقديم ضمان عيني أو شخصي، أي الضمان هنا يقلل من مساحة المخاطر الائتمانية المصاحبة لقرار منح الائتمان ومن ثم يُطلب من المقترض المقترح تقديم ضمانات بعينها.
هـ) الظروف المحيطة conditions:يجب على الباحث الائتماني أن يدرس مدى تأثير الظروف العامة والخاصة المحيطة بالعميل طالب الائتمان على النشاط أو المشروع المطلوب تمويله. ويقصد هنا بالظروف العامة المناخ الاقتصادي العام في المجتمع، وكذلك الإطار التشريعي والقانوني الذي تعمل المنشأة في إطاره خاصة ما يتصل بالتشريعات النقدية والجمركية والتشريعات الخاصة بتنظيم أنشطة التجارة الخارجية استيراداً أو تصديراً، حيث تؤثر هذه الظروف العامة على مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي. أما الظروف الخاصة فهي ترتبط بالنشاط الخاص الذي يمارسه العميل، مثل الحصة السوقية لمنتجات المشروع أو خدماته التي يقدمها،  شكل المنافسة، دورة حياة المنتج أو الخدمة التي يقدمها العميل، موقع المشروع من دورة حياته بمعنى هل هو في مرحلة التقديم أو الولادة، أوفي مرحلة النمو، أوفي مرحلة الاستقرار، أوفي مرحلة الانحدار. ..
ونخلص إلى أن الدراسة المتعمقة لهذه المعايير مجتمعة يمكن أن تقدم صورة واضحة عن وضع العميل طالب القرض أو الائتمان ومركزه الائتماني، إلا أن هذه المعايير تتفاوت في أهميتها النسبية فهناك بعض المراجع تميل إلى التركيز على المعايير الثلاثة الأولى كما ينظر إلى الضمان على أنه أقل هذه المعايير أهمية. كما أنه من الطبيعي ألا تستوفي جميع المعايير الخمسة أعلاه الحد الأمثل لها فالضعف في أحد المعايير يمكن أن يعوض بقوة المعيار الآخر على أن تكون الدراسة التي أجريت لهذه المعايير الخمسة بشكل كامل ومتوازن.

4 - العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار الائتماني:
هناك مجموعة عوامل مترابطة ومتكاملة تؤثر في اتخاذ القرار الائتماني في أي مصرف، وهي:
أ.العوامل الخاصة بالعميل:  بالنسبة للعميل تقوم عوامل:  الشخصية، رأس المال، وقدرته على إدارة نشاطه وتسديد التزاماته، والضمانات المقدمة، والظروف العامة والخاصة التي تحيط بالنشاط الذي يمارسه العميل، تقوم جميعها بدورها في تقييم مدى صلاحية العميل للحصول على الائتمان المطلوب، وتحديد مقدار المخاطر الائتمانية ونوعها والتي يمكن أن يتعرض لها المصرف عند منح الائتمان، فعملية تحليل المعلومات والبيانات عن حالة العميل المحتمل سوف تخلق القدرة لدى إدارة الائتمان على اتخاذ قرار ائتماني سليم.

ب.العوامل الخاصة بالمصرف:  وتشمل هذه العوامل:
أ‌-         درجة السيولة التي يتمتع بها المصرف حالياً وقدرته على توظيفها، ومفهوم السيولة يعني قدرة المصرف على مواجهة التزاماته، والتي تتمثل بصفة أساسية في عنصرين هما:  تلبية طلبات المودعين للسحب من الودائع، وأيضاً تلبية طلبات الائتمان، أي القروض والسلفيات لتلبية احتياجات المجتمع.
ب‌-       نوع الاستراتيجية التي يتبناها المصرف في اتخاذ قراراته الائتمانية ويعمل في إطارها، أي في استعداده لمنح ائتمان معين أو عدم منح هذا الائتمان.
ت‌-       الهدف العام الذي يسعى المصرف إلى تحقيقه خلال المرحلة القادمة.
ث‌-       القدرات التي يمتلكها المصرف وخاصةً الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة على القيام بوظيفة الائتمان المصرفي، وأيضاً التكنولوجيا المطبقة وما يمتلكه المصرف من تجهيزات الكترونية حديثة.


ج. العوامل الخاصة بالتسهيل الائتماني:  ويمكن حصر هذه العوامل بما يلي:
1.      الغرض من التسهيل.
2.      المدة الزمنية التي يستغرقها القرض أو التسهيل، أي المدة التي يرغب العميل بالحصول على التسهيل خلالها،  ومتى سيقوم بالسداد وهل تتناسب فعلاً مع إمكانيات العميل.
3.      مصدر السداد الذي سيقوم العميل المقترض بسداد المبلغ منه.
4.      طريقة السداد المتبعة، أي هل سيتم سداد القرض أو التسهيل دفعة واحدة في نهاية المدة، أم سوف يتم سداده على أقساط دورية، وذلك بما يتناسب مع طبيعة نشاط العميل ومع إيراداته وموارده الذاتية وتدفقاته الداخلة.
5.      نوع التسهيل المطلوب وهل يتوافق مع السياسة العامة للإقراض في المصرف أم يتعارض معها.
6.      ثم مبلغ هذا القرض أو التسهيل ولذلك أهمية خاصة، حيث إنه كلما زاد المبلغ عن حد معين كان المصرف أحرص في الدراسات التي يجريها خاصةً أن نتائج عدم سداد قرض بمبلغ ضخم تكون صعبة وقد تؤثر على سلامة المركز المالي للمصرف.
ويمكن أن نضيف إلى هذه العوامل ضرورة الالتزام بالقيود القانونية حيث تحدد التشريعات القانونية التي يصدرها المصرف المركزي، إمكانية التوسع في الائتمان أو تقليصه والحد الأقصى للقروض ومجالات النشاط المسموح بتمويلها بحيث لا يحدث أي تعارض بين سياسة المصرف الائتمانية والتشريعات المنظمة للعمل المصرفي
وأخيراً نؤكد أن الحالة التي تتخذ فيها القرارات الائتمانية هي حالة الخطر، فمتخذ القرار الائتماني في المصرف لا يستطيع أن يتنبأ بنتائج قراره بدقة كاملة، ولكنه يستطيع عن طريق تحليل المخاطر المصاحبة لعمليات الائتمان أن يصل إلى تقدير احتمالات موضوعية محددة للقرار الذي سوف يتخذه، فالقرار السليم هو القرار الذي تشعر فيه الإدارة بأن العائد الذي سوف يتولد عنه يوازي أو يزيد على درجة المخاطر التي تحيط به. ويمكن لمحلل الائتمان من أجل تحليل المخاطر الائتمانية أن ينطلق من تطبيق نماذج المعايير الائتمانية المعروفة-  

المصدر: الدكتور عبد العزيز الدغيم .

أهم المشاركات