حب الذات المرضى ( النرجسى )
فما هو مفهوم الحب النرجسى ؟ ومن هو الشخص النرجسى ؟ .
الحب إما أن يرفع صاحبه إلى القمه أو يسقط صاحبه فى الهاويه , والطريق الصحيح فى الحب إن كان للنفس يجب أن يشتمل على حب الخير للنفس الذى يؤهلها إلى نفع الغير بعيدا عن أمراض القلوب من كبر و أنانيه وحقد وحسد وغيرها من الصفات المهلكه لصاحبها قبل الغير والمثل الشعبى يقول " من حب نفسه كرهته الناس " , فصاحب هذه الصفات شخص مريض بحب الذات السلبى , وهو ما يطلق عليه فى علم النفس الشخص النرجسى وهو الشخص الأنانى الذى يحب ذاته ويجمع بين أكثر من نوع من أنواع إدمان الحب. و الشخص النرجسى بوجه عام يميل إلى السيطره إغواء الطرف الآخر و حب الامتلاك.
وهو بخلاف مدمن الحب الاستحواذى الذى قد يرضى بعدم السعادة أو الارتياح فى حين ان النرجسى لا يسمح بأى شىء يؤثر على سعادته وحبه لنفسه.
مدمن حب الذات النرجسى يختفى وراء ستار التودد لكنه فى الوقت ذاته متكلف غير مبالى بالعلاقة ( يظهر وكأنه كذلك )، ويستمر فى هذا السلوك إلى أن تظهر الحاجة لدى الضحية بالفرار وتركه حينها يبالون ويلاطفون شريكهم .
وبمجرد الإحساس بهذه الرغبة فى الفرار يحدث الارتباك والتفكير فى استخدام كل الحيل للتمسك بالعلاقة حتى وإن اضطره الأمر إلى استخدام العنف.
والأدهى من ذلك أنه لو إكتشف أخر أفضل أو أغنى أو أجمل من الذى يحبه ويتودد إليه ,وهذا الأخر سيشبع عنده عاطفة حب الإمتلاك أكثر , فإنه لا يتردد بأن يبيع من معه فى الوصول الى البديل الأفضل , وممكن أن تكون علاقته الأخرى سريه حتى لا يخسر المنبعين , وعندما تظهر الحقيقه يختار الأفضل بلا شك .
و تسيطر على النرجسي الغيرة من الاخرين والحسد ويتمنى المرض والفقر والفشل للجميع ، كما يكون اناني ومعادي للمجتمع ايضا والجماعة التي يتعامل معها ، وعكس ذلك اذا وجد من يشبع رغبته في المدح والاطراء فاتجاهه نحو هؤلاء يتغير ويقربهم اليه ويجزي عطائهم .
إذاً الحب النرجسي هو حبٌ أناني ، حبٌ للذات وليس للآخر ، حبٌ يعتمد على الأخذ فيحيل صاحبه إلى فردٍ ذو شخصية دوامية تبتلع مايحيط بها . إن من كانت شخصيته ذو حبٍ نرجسي فإنه يريد أن يبتلع كل ماحوله ليصب في ذاته .
والسؤال المطروح هل توجد شخصية من هذا القبيل تحب غيرها ؟..نعم ، ولكن طالما أن الغير يحقق لها ماتريد ويشبع حاجاتها ورغباتها ويعظمها ويبجلها ويعطيها وحين يتوقف الآخر عن العطاء ولو كان توقفاً بسيطاً أو يقصر ولو قليلاً .. يتوقف الحب مباشرةً .
· بعض الصور ذات الحب النرجسى .
- فى الحب لله : - هناك صوره لبعض الأشخاص يحملون الشخصية النرجسية فى علاقة حبهم لله فهو محب لله فقط عندما ينعم عليه ويفيض عليه من الرزق , فإذا أصابه أى إبتلاء إنقطع هذا الحب وتحول إلى كفر بالنعمة وعدم الحمد على ما أصاب الله , وتراه يشتكى إلى الناس من ثقل ما وقع به سخطا على مولاه وعدم رضا بقضاه , يشكو الخالق الى المخلوق الذى لا يملك نفع أو ضر , ويعتبر ذلك شيئا طبيعيا .
وهم الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى فى العديد من المواضع فى القرآن الكريم , قال تعالى " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج:11 ـ 13]., وانظر الى تعبيره سبحانه وتعالى البليغ عن هذا الصنف من البشر " على حرف " على حافة بين العبوديه والكفر والذى يقف على هذه الحافه إن لم يتمسك جيدا بالعبوديه لله سبحانه وتعالى سقط فى هاوية الكفر , ووصف هذا الفرد بالعبوديه فى قوله " يعبد " لإن العباده هى أعلى مراتب الحب بجانب الخوف والرجاء .
وهو يأخذ الدين قضية تجارة ومقايضة ونفع مادي .. ويصف ابن عباس ـ رضي الله عنهما – أحد المرضاء فى تفسيره , فيقول : كان الرجل يقدم المدينة .. فان ولدت امرأته غلاماً .... أو نتجت خيله ... قال : هذا دينٌ صالح .. وان لم تلد امرأته .. ولم تنتج خيله قال : هذا دين سوء ...
- فى الصداقه : - صورة أخرى من صور الحب النرجسى وهى شائعة فى الصداقة المبنية على المصالح الشخصية , فتجد ه مرتبط بصديقه طالما يغدق عليه بالعطاء ويتظاهرله بالحب والإخلاص طالمه أن المصلحه ساريه, فإذا توقف هذا الصديق عن العطاء وربما الى ظروف ليست بإرادته إنقلبت الصداقة الى كراهية وعدوانية , أو ترك الصديق فى هذه المحنه و لربما تحامل عليه صاحب الحب النرجسى وظهرت الشماته بأنه المقصر و السبب فيما حدث له .
- بين الأزواج : - عندما يترك الزوج بعد حب عاش طويلا بسبب أنه وقع فى ضائقه مادية بعد أن كان غنيا أصبح فقيرا معدما لا يصلح للحب , أو تترك الزوجه لأن الله إبتلاها بأحد الأمراض العضوية أثر على جمالها فأصبحت غير صالحه للحب وهكذا , والصور هنا كثير ومن الحياه وما زالت تعاش فى الواقع أمامنا .
- الأب :- عندما يهمل شأن عائلته فى سبيل إشباع رغباته الخاصه و إشباع ماتهوى به نفسه فيما نسميه صاحب مزاج يرضى الكيف والمزاج على حساب الزوجه والأبناء تجده ينفق على التدخين والشيشه والمخدرات وغيرها مالا ينفقه على طفل كان ذنبه فى الدنيا أنه ينتمى إلى هذا الأب المحب لنفسه ومزاجه وشعاره فى الدنيا " أنا ومزاجى ومن بعدى الطوفان ... وإن جالك الطوفان ضع ابنك تحت رجليك " .. تصادفت مع أحد الأباء من هذه العينه صاحب مزاج و واجهته بأنه بهذه الأفعال ليس بمحب لنفسه بل مضرها بما يتعاطى , فقال لى أنه : لا يتعاطى إلا الأصناف العاليه والتى ليس لها أى أثار جانبيه , والعجيب فى ذلك أن أسرته بحاجه ماسه والزوجه تخدم فى البيوت حتى تكمل مصروفات البيت .
- بين الإبن وأبيه : - فالأب عاش طوال عمره يسعى عليه حتى يعلمه أفضل تعليم ويلبسه أحسن الثياب ويجعله يعيش فى مستوى إجتماعى لائق , وعندما يكون الأب فى أشد الحاجه الى ابنه عندما يبلغ من العمر عتيا , ينشغل الإبن بحياته وزوجته , ولربما أعلن العصيان على أبيه ووصفه بالجنون فى هذا السن ولجأ الى الحجرعليه , وكذلك الحال بالنسبه للأم التى حملت وربت وكبرت يتركها تلاقى حتفها وحيده فى قفص الحرمان .
- فى العمل :- يكون أقرب ما يكون من رئيسه ومديره فى العمل , ويكون كثير التودد اليه وعينه التى يرى بها فى وسط زملائه لينقل له صوره مشوه عنهم بإستمرار حتى يكون هو على القمه فى نظره , وربما يتفانى فى العمل حتى يرضى عليه هذا المدير ويكسب ثقته ليزيد له الراتب أو ليرفعه درجه إداريه , وهكذا .. ثم إذا إنتقل هذا الرئيس أو المدير إلى مكان أخر وجاء مسؤل أخر , أصبح السابق نسيا منسيا بالنسبه له ويذم فيه الى زملائه و الى المدير أو المسؤل الجديد .
· ما هى حدوتة الحب النرجسى ؟ .
جاءت كلمة النرجسية من الاسطورة الاغريقية التي تعددت الاشكال واختلفت الصياغة في عرضها والهدف من ذلك العرض انه يصب في مجرى واحد . يمكن ان ندرج احدى هذه الصياغات التي نلخصها كما ياتي :
الاسطورة تدور حول " انه كانت هناك فتاة تدعى (صدى) هامت بحب فتى يدعى (نرجس) نارسيسوس Narcissus ومن فرط حبها له واعجابها به سقمت حالها ومرضت بسببه .ومن اجله كابدت وصبرت حتى اضناها هذا الحب وجعلها تذبل شيئا فشيئا حتى فارقت الحياة. ولكن الالهه (بزعم الاسطورة) لم تترك الفتى دون عقاب. لذلك كان العقاب قاسيا عليه للغايه حتى اودى بحياته.كان العقاب ان يعشق نفسه بصورة مرضيه عندما راى صورته منعكسه على الماء لذلك اخذ يجلس الساعات الطوال امام صورته بكل فخر وزهو .واستمر على هذا الحاله حتى مرض نفسيا بسبب هذا التعلق الذاتى.وما هى الا فترة بسيطه حتى فقد عقله وفى احدى خلواته وعشقه لنفسه قفز الى بركة الماء ليمسك صورته ولكنه غرق ومات . وظهرت فى مكانه زهرة سميت على اسمه نرجس (وهى زهرة النرجس) .
والصياغه الأخرى أن طفل اسمه نارسيسوس Narcissus كان غاية في الجمال وكانت امه حورية وابوه النهر وقد حذره العراف من رؤية نفسه في صفحة الماء ان اراد ان يعيش طويلا ، اما ان راى وجهه في الماء فانه سيموت في الحال . وفي يوم من الايام اغراه عدو له في ثوب صديق بان يشرب من بحيرة ماء فانصاع له وعندما انحنى ليشرب الماء رأى وجهه منعكسا على صفحته بهره ذلك الجمال الفريد و أحبه وظل ينظر الى وجهه كل يوم مبهورا بجماله وطلعته حتى ذوى عوده ونحل جسمه الى ان مات وسقط في البحيرة و تحول جسمه الى زهرة النرجس التي اصبحت رمزا للعاطفة والحب المتطرف للذات ذلك الحب الذي لا قيمة له لانه بعيدا عن العاطفة والتفاعل مع الاخرين .
وعلى هذه الخرافة اليونانية ، التي لا تجوز عقلاً ولا تصح شرعاً صارت النرجسية مصطلحاً يشير إلى افتتان المرء بجسده، أو حب الذات، أو عبادة الذات، أو الأنانية أو إلى عشق الذات. وفي مدرسة التحليل النفسي تعني حب الذات أو عشقها لا شعورياً.
استفاد علماء النفس من هذه القصة في تحليل شخصية من يتمركز على ذاته ويحبها بشكل متطرف واطلق عليها بالشخصية النرجسية بحيث وجدوا انها تتميز بالتمركز حول الذات و ينسى الاخرين حتى المقربين اليه من افراد عائلته وزوجته واطفاله و مجتمعه ، ويصب اهتمامه على نفسه وسلوكه وافعاله ونشاطه ويعجز عن اقامة علاقات تفاعل مع الاخرين ، كما يدفعه هذا الى التفكير بكيفية تمثيل الادوار التي يخدع بها من يتعامل معه وكيف يظهر بانه مهتم بهم و يحبهم ، ولكن بالرغم من ذلك التمثيل واخفاء الحقيقة الا انه يظهر للناس ما في داخله مهما خبأ من ميول نرجسية .
* ما هى اسباب اضطراب الشخصية النرجسية ؟ .
تختلف الاسباب في ظهور هذه الشخصية ونموها وتطورها منها النفسية والاجتماعية والتكوينية . يمكن تلخيص الاسباب كما يأتي :
1 ـ الأسباب العضوية : تشير بعض الابحاث الى ان السبب هو ما يحدث من اختلال في النواقل العصبية بين خلايا المخ التي تنقل الاشارات من البيئة الخارجية بواسطة الحواس الى مراكز الانفعالات الكائنة في المخ والرد عليها بما بناسبها ان كانت تلك النواقل سليمة اما ان حدث اختلال فيها فان الرد هو الاخر يكون مختلا وهذا ما يحدث للنرجسي .
2 ـ الأسباب التربوية : وهى الناتجة من طبيعة التنشئة الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في مراحل النمو المختلفة وخاصة مرحلة الطفولة فالتعزيز للتمركز على الذات الذي يمارسه الطفل يساعد في ان يستمر معه للمراحل الاخرى ويلعب دورا مهما في ذلك ، على سبيل المثال يحاول الطفل بعض الاحيان الاستحواذ على كل ما يحيط به ويترك الوالدين المجال له في ذلك فانه بالتالي يتعود على ذلك ويسير على هذا المنوال في المراحل الاخرى عندها يصبح اناني في سلوكه ، واذا حصل على الاطراء والمديح المتطرف من الوالدين والذي ياتي في غير مكانه المناسب في كل ما يعمل فانه ايضا يتعود عليه ويترعرع لديه ويرغب المزيد والمزيد والامثلة كثيرة على ذلك .
3- الأسباب النفسية : يعاني الشخص النرجسي صراعا نفسيا بين الغضب و السلوك العدواني والانتقام ويعتبر المحللون النفسانيون هذه الحالة على انها وسيلة دفاعية غير مدركة .وان هذا الصراع نتج من جراء تعرض الطفل الى نوع من السيطرة والقسوة اثناء مرحلة من مراحل الطفولة التي مر بها بحيث زرعت في نفسه الضعف والاحباط والشعور بالتخاذل والضعة الداخلية التي يعبر عنها بالتعالي والشعور بالعظمة كردة فعل لما اصابه من الاخرين . كما ان هناك دراسات اشارت الى ان انتقادات الوالدين والمعلمين التي يتعرض لها الاطفال التي تنبع من غرضهم ورغبتهم في رفع مستوى ابنائهم او طلبتهم بالقوة او تحقيق رغباتهم احيانا في اطفالهم ودفعهم الى الاعمال والافعال التي تاتي فوق قدراتهم وطاقاتهم وبالتالي تكون النتائج عكسية بحيث يصاب هؤلاء بالعجز والاحباط وفقدان الثقة بالنفس .
* واقع النرجسية في التحليل النفسي :
كان فرويد أول من استخدم مصطلح النرجسية من الناحية النفسية .. وقد استعمله بمعنى محدد وهو أن لدينا جميعاً رغبات نرجسية أو حب الذات ، وهي طبيعية ومن الضروري إشباعها ، وأنها تشكل مرحلة من النمو تتطور فيما بعد إلى حب الآخر . وفي حال عدم إشباع هذه الرغبات يحدث الإنكفاء على الذات والتثبت عند مرحلة حب الذات الأولى .
وقد طرح كاوت و كيرنبيرغ Kohut , Kernberger تفاصيل عن مفهوم النرجسية المرضية من وجهة نظر تحليلية وأنها نتيجة لعلاقة باردة غير متعاطفة وغير ثابتة مع الأبوين في مرحلة الطفولة الأولى ، وأنها تعويض مرضي على تلك المرحلة . وبين كيرنبيرغر أن اضطراب النرجسية الشديد أو الخبيث لايمكن علاجه بينما يمكن علاج الحالات المتوسطة أو الخفيفة .
كثيرا ما نشجع وندعو لاحترام وتقدير الذات ولكن بشكل معقول ومنطقي بعيدا عن التطرف وكلما استطاع الفرد ان يقدر ويحترم ذاته بشكل منطقي كلما كانت شخصيته قوية ومتزنة ومقبولة من الاخرين ، اما اذا تطرف بتقدير واحترام ذاته ونظر الى الاخرين نظرة دونية او استغلالية او اصبح متعالي على الناس فانه قد تحول الى نرجسي ومضطرب الشخصية وغير واقعي ومرفوض من الاخرين .
ويناقش إريك فروم erich fromm النرجسية في كتابه "عظمة وقيود فكر فرويد" (1980) greatness and limitations of freud thought حيث يقدم عدداً من النقاط المهمة. ويقترح أن النرجسية لها قيمة خالدة، فسنشعر بأهميتها لدرجة تجعلنا نعتني بأنفسنا ونحقق الأشياء وغيرها. ويقترح أيضاً أن آراء فرويد عن النرجسية قد تشوهت بآرائه عن المرأة وطبيعة الحب، ووفقاً لفروم fromm فإن فرويد لم يستطيع رؤية أن النرجسية مضادة للحب وذلك لأنه كانت لديه أفكاره الخاطئة عن الأسلوب الذي يحب به كل من الرجل والمرأة بعضهم البعض ولقد نبع هذا جزئياً من النظام الطبقي والأسلوب الذي تعلمت به نساء الطبقات الوسطى كيف يتصرفن.
ويعد معظم النرجسيين من الأفراد الجذابين- ويقترح فروم (1980) froom أن معظم الفنانين والكتاب المبدعين والراقصات والسياسيين من ذوي الشخصيات النرجسية إلا أن هذه النرجسية لا تتداخل في فنهم بل تساعدهم فيه. ووفقاً له فإن هؤلاء النرجسيين يجسدون صورة لما يجب أن يكون عليه الإنسان العادي وهو ما ينطبق على الإنسان العادي (والذي لا يقيم القلق الذي يعاني منه المريض بالنرجسية).
كما قام فروم fromm أيضاً بالتفريق بين النرجسية والأنانية. فالأخير يشير إلى نوع من الأثرة والطمع وهو ما يختلف عن الرؤية المشوهة للواقع الموجودة في النرجسيين والذين قد لا يكونون أنانيين ولكنهم مصابين بحب الذات. وقد يكون الشخص المحب لذاته أنانياً ولكنه قد يكون واقعياً في الوقت ذاته، يوجه بعض النرجسيين طاقاتهم نحو إخفاء حبهم لأنفسهم حيث يرتدون قناع الخضوع ويشتركون في سلوكيات غير أنانية مثل القيام بأعمال إنسانية عديدة كوسيلة لإخفاء نرجسيتهم.
وبشكل عام فإن كل هذا يجعل من الصعوبة اكتشاف النرجسية والتعامل معها ولا يميل النرجسيون إلى أن يرتبطوا بالمعالجين ويرفضون العلاج وهناك ميل في الفكر الاجتماعي لربط المصطلحات سوياً وتفسير الأنانية والاهتمام المتزايد بالنفس وفرط الفردية كنرجسية. وبالطبع فإن الأنانية والنرجسية عادة ما يكونان مرتبطين ببعضهما البعض.
ويطرح فروم عام (1980) مناقشة مهمة لما يدعو له بالنرجسية الجماعية ونوع الشيء الموجود داخل الناس والذين يؤكدون كما يفعل معظم الأمريكيين (أو اعتادوا عليها على الأقل) مع إحساس بالتقوى والأفضلية "نحن رقم واحد بالنسبة لشعوب العالم" وسنرى هذا الأمر أيضاً لدى مشجعي الفرق الرياضية. ووفقاً لفروم فإن النرجسية الجماعية ترتبط بالأنظمة الاقتصادية التي تقوم على الأنانية وتحاول تحقيق الحد الأقصى من الأرباح على حساب الآخرين. وهو ما يعني أن النرجسية الجماعية ترتبط بالإنحياز الذي يجده الفرد في المجتمعات الصناعية الحديثة.
إن الشخص العادي يعيش في ظروف اجتماعية تقيد من تنمية نرجسية مكثفة فما الذي يغذي نرجسية الفقراء الذين لهم مظهر اجتماعي أقل والذين يميل أطفالهم إلى أن ينظروا إليهم باحتقار؟ فهو لا شيء ولكن إذا ما كان يمكن أن يتعرف على دولته حينها يكون هو كل شيء.
ويهتم المعالجون النفسيون بالنرجسية وعادة ما يرونها في الأعداد المتزايدة من المرضى، ومن الصعب أن نقول إذا ما كان يوجد الآن نرجسية مقارنة بالعصور السابقة أو إذا ما كان المعالجون أكثر براعة في التعرف عليها. ومهما كانت الحالة فإن النرجسية بأشكالها العديدة الخفية – تظل مشكلة – لها أهميتها الكبيرة لكل من الأفراد والثقافات الأمريكية والتكنولوجية الحديثة الأخرى.
وسواء ما إذا كانت أنانية أو نرجسية ( أو مجموعة من كليهما ) وهو ما يعتبر أمرا خاطئاً حيث إن التركيز المتزايد في الثقافة الأمريكية وفي هيئاتنا السياسية قد كان على الفرد وحقوقه والشركات الخاصة والطموحات الشخصية لاستثناء النطاق العام وإحساساً بمسئوليتنا الجماعية والتزامنا الجماعي. وكنتيجة لذلك يرى العديد من النقاد عدم وجود أي توازن وأن علينا أن نجد أساليب جديدة للتخلص من دوافعنا النرجسية وميولنا النرجسية وتوجيه اهتماماتنا إلى الخارج.
· ما هى صفات الشخص النرجسي ؟ .
يجسم النرجسي العالم حول ذاته ويصهر العلاقات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي في ذاته ولا يهمه الاخرين او العالم الذي يحيط به ، وانما ينصب تركيزه على عالمه الذاتي وانانيته واهتمامه بنفسه فقط لان طاقته و حبه قد تبلور وتمركز حول نفسه وذاته واصبح اتجاهه في داخل اطار من حديد لا يستطيع احد النفاذ اليه . كما انه يتصف بالاستغلال والابتزاز لمن يتعامل معه لغرض تحقيق غاياته الخاصة واشباع رغباته فقط ، اما ما يتعرض له الاخرون من ظلم واجحاف فهذا لا يهمه ولا يعيره اي انتباه . تسيطر عليه الغيرة من الاخرين وبما يحققوهوا من نجاح وان كانت لديه سلطة فيستعملها لسحقهم والتخلص منهم بشتى الطرق والاساليب . يعطي النرجسي قيمة لذاته فوق ما تحتمل وذلك بانه يبحث عن الاجداد والاباء ويعطيهم قيمة فوق ما هو قائم ويتبجح بذلك ويحاول ان يقنع الاخرين بما ليس واقعا بهذا الخصوص .
لا يتقبل النرجسي وصفه مريضا ابدا ، ان اشار احد بانه يحتاج للعلاج فانه يثور عليه ويتهمه بابشع الاتهامات ، ويحاول ان يوحي لنفسه بان تذمر الاخرين منه على انهم يغارون منه ويحقدون عليه وان الخطأ صادر منهم وليس منه وما يؤديه من سلوك نحوهم .
ينقص النرجسي الذكاء الانفعالي وليس له شعور بالفرح او الحزن ويتميز بالمزاج المتفاوت والمتضارب ، حتى انه لا يشعر بالعلاقة الجنسية مع زوجته لانه يعتبرها تافه و في اعتقاده بانها لا تعبر عن مشاعر وبالرغم من ذلك قد يقع في ممارسة بعض السلوكيات المنحرفة وذلك بسبب التفاوت في المزاج الذي لديه . هناك من النرجسيين من يندمجون باحلام اليقظة ولا يظهرون حقيقة ما يشعرون به للاخرين فقط يظهرون الغضب عندما يوجه اليهم النقد لانهم يفقدون السيطرة على ذلك ولا يتقبلون اللوم من الاخرين . يكثر النرجسي من استعمال الكذب والتلفيق كي ينال اعجاب الجميع كما ياتي بالتبريرات لسلوكياته التي يقتنع بها ولا يستطيع ان يقنع الاخرين الا نادرا .
يعاني النرجسي من مشاعر نفسية ضعيفة ومهزوة تتعلق في الذات ويكون بعصهم عديمي الثقة بانفسهم وهذا الذي يدفعهم الى ان يبالغوا في الظهور لاقناع الاخرين بان شخصياتهم قوية ، والذي يعزز ذلك سلوك الاخرين او التابعين لهم والذين يكثرون من المديح لهم والاطراء على اعمالهم حتى لو كانت لا قيمة لها تملقا او رغبة في المكاسب وكلما زاد اطرائهم ومديحهم على تلك الشخصية كلما نالوا من مكاسب وهذا الذي يجعلهم يستمرون في هذا الطريق وبالتالي يغذون رغبات تلك الشخصية بحيث تصبح متجبرة قاسية ظالمة لمن لم يحذو حذو هؤلاء المتملقين . كما ان النرجسي يرغب في معرفة اراء الاخرين نحوه والويل لمن يعطي رأيا سلبيا عنه لانه يغضب ويثور لتلك الحقيقة ولا يقبلها نهائيا ولكنه يتبع اساليب المراوغة في الانتقام بحيث يتخذ طرقا معينة ليقتص من الذي وجه له الانتقاد آجلا ام عاجلا ، هناك من يدعي بانه يتقبل النقد ويرغب في معرفة اراء الاخرين عنه والحقيقة انه يريد فقط المديح والاطراء .
يتخذ الشخص النرجسي نوعا من السلوك الخادع المتكلف والمتصنع ويمشي رافعا راسه الى الاعلى ونافخا صدره ليظهر الهيبة والعظمة المخالفة لما في داخله من خنوع وضعة ، ويهتم بجلب الانتباه ونظرات الاخرين له وكلما نظروا اليه واهتموا به كلما عززوا تلك الشخصية . يركز النرجسي على افعاله واعماله ويجعل من الحبة قبة كما يقول المثل وبالعكس ينظر الى ابداع الاخرين نظرة حسد وانفعال وتحقير واستهزاء . لا يهتم بمشاعر الاخرين مهما كان نوعها وانما اهتمامه منصبا على ذاته وعلى ما يشعر به .
ومما يجدر ذكره هنا أن هناك نقاط تقاطع بين النرجسي والمتكبر، ولكن المتكبر ينتقص من شأن الآخرين بشكل معلن بسبب شعوره بعدم الأمان وعدم الثقة في نفسه. في حين أن النرجسي لا يملك القدرة على المواجهة الصريحة ولكنه يلجأ إلى إطلاق الشائعات والنميمة للتعويض عن ضعفه في المواجهة. وبسبب تركيز النرجسي على ذاته فإنه يحرم نفسه من التعرف على الحياة بما فيها من شخصيات أخرى وجوانب جمالية متعددة. وهذا الانكفاء يجعله حبيس أفكار ثابتة وانطباعات سلبية ضد ما هو خارج ذاته؛ ولهذا لا يتوقع من النرجسي أن يطوّر قدراته ونظرته للحياة مهما طال به الزمن.
لا يقصد من العرض السابق للنرجسي بانه غير منتج او مبدع لان هناك من يكون مؤهلا علميا ومنتجا بارعا ومتميزا بعلاقاته مع الاخرين بشرط الذين يشبعون رغباته ويتحملون غضبه وثورته وتمركزه حول الذات ، والبعض الاخر يتضجرون منه بسبب غضبه وردود فعله التي تجعلهم يبتعدون عنه ويبتعد عنهم ويذمهم .
· كيف يتم تشخيص الشخصية النرجسية ؟.
يتم التشخيص بواسطة اجراء اختبارات نفسية او ملاحظة سلوك الفرد الذي يؤديه فان كانت تنطبق مع ما ذكرناها سابقا من صفات عندها يطلق على ان تلك الشخصية نرجسية ، يمكن تلخيصها كما ياتي :
1 ـ المبالغة في اظهار العظمة وسيطرة الخيال الذي يتعلق بهذه العظمة .
2 ـ تبدو عليه مؤشرات الغطرسة والتعالي على الاخرين بشكل واضح .
3 ـ المبالغة في وصف اعماله وانتاجه اما اعمال الاخرين وانتاجهم فلا اهمية له بنظره واكثر الاحيان يستهزا بها .
4 ـ يطرب للمدح والاطراء ويندفع للحصول عليه بشتى الاساليب والطرق .
5 ـ لا يتقبل الانتقاد ويغضب ويسلك سلوكا عدوانيا مع من ينتقده .
6 ـ يشعر بان الاخرين يحسدونه لاعتقاده بانه يمتلك ما لايمتلكونه .
7 ـ كثيرا ما يصاب النرجسي بالقلق والاكتئاب والهوس والسايكوباثية والانحراف وتعاطي المخدرات .
8 ـ عواطفه باردة ولا يهمه ما يحدث للاخرين .
9 ـ يتمنى زوال نعم الاخرين وذلك نتيجة لحسده اليهم .
· وما هى أساليب العلاج المقترحة لعلاج هذه المشكله؟.
لا يتقبل النرجسي العلاج لشخصيته المضطربة ولكن يطلبه عندما يشعر ويصاب بالاكتئاب او القلق او الوقوع بمشاكل زوجية او عائلية ومن الصعب عليه حلها . يلاقي الطبيب المعالج صعوبة في علاجه لانه لا يتقبل ان يكون هناك اعلى منه . يمكن ان تعطى له المهدئات لنوبات الغضب والعدوان الذي يعتريه والقلق الذي يسيطر عليه والعلاج الذي يساعده على السيطرة على تقلبات المزاج التي تنتابه . تعطى له المضادات للاكتئاب لغرض السيطرة على توازن السيروتونين لديه . اضافة للعلاج النفسي الذي يتصف بالصعوبة اما اذا كان المعالج النفسي مستعدا لغضب النرجسي وسلوكه العدواني ورفضه وتعاليه الذي يتميز به عندها يمكن التعامل معه وربما علاجه .
يحتاج الشخص النرجسى إلى أن يتعلم كيف يكون غير أنانياً، وإن جاز القول يُعرض من قبل الأخرين للإذلال.
طرح جيفري يونغ ”علاج منظومة التفكير“ Schema therapy والتي بدأها آرون بيك ( العلاج المعرفي )، واعتبر أن ”منظومة القصور" التي يتبناها هؤلاء الأشخاص هي الأساس لفهم العمليات العقلية لدى الشخصية النرجسية ”
ويتضمن العلاج المطروح أساليب تحليلية وديناميكية ومعرفية وسلوكية .
- نادراً ما يلجأ المرضى للعلاج لأن في ذلك إهانة لهم ، وهم يأتون للعلاج بعد حدوث أعراض اكتئابية أو مشكلات عاطفية أو مهنية أو غير ذلك ..
- العلاج الدوائي نادراً مايستعمل إلا في الحالات المرافقة .
- العلاج الداعم والاستشارة النفسية والمساعدة على التكيف وتخفيف الأذى والضرر ضروري في عدد من الحالات من خلال تدخل
. الأهل وغيرهم ، لتخفيف الأذى الذي يمكن أن ينجم عن السلوك النرجسي
- تنمية مهارات التواصل مع الآخر وتفهمه ، تنمية الذكاء الاجتماعي والانفعالي .
- العلاج التحليلي طويل الأمد ، قصير الأمد ... يمكن أن يفيد في عدد من الحالات .. ومن الضروري مواجهة نقاط الضعف عند المريض مبكراً في الجلسات العلاجية .
· وكيف يمكن الوقاية من الوقوع فى مثل هذه الحالة ؟.
الوقاية في مختلف الاضطرابات النفسية موضوع لايزال غامضاً بسبب غموض الأسباب .. والنصائح العامة الوقائية ترتبط بما تخبرنا به النظريات السببية .. ومن المهم تعديل الأساليب التربوية وسلوك الأهل تجاه أطفالهم والتدليل الزائد يمكن أن يؤدي إلى مجموعة من الاضطرابات والصفات الشخصية المرضية ، وكذلك إهمال الطفل وإيذاؤه , ومن المفيد الاهتمام بالقيم التي تؤكد العطاء والغيرية والمثل العليا والمسؤولية تجاه الذات وتجاه الآخرين . كما تقيد الجهود التربوية والتثقيفية التي تسعى إلى زيادة مهارات التواصل الاجتماعي والذكاء الاجتماعي والانفعالي وثقافة الحب بمختلف مكوناتها والتي تسعى إلى الامتداد إلى الآخر والتعاون معه من أجل حياة أفضل .
المصدر: أحمد السيد كردى , أسرار الشخصية والنفس البشرية , 2010م.