داروين سميث، كبير المدراء التنفيذيين في شركة كيمبرلي كلارك، ومجال نشاطها الرئيسي ينحصر في إنتاج الورق المصقول، وأما أعظم أصولها ومصادر قوتها فكانت مصانع الورق التي تمتلكها، لكن سميث اقتنع بأن مستقبل الشركة يكمن في التركيز على المنتجات الورقية التي تستهدف المستهلك، لا في مجرد إنتاج الورق واعتمادًا على هذه القناعة، باع مصانع الورق.
اُتهم حينها سميث بالحماقة والطيش من قبل كل المعنيين باستثناء أفراد الفريق العاملين معه، لكن مع مرور السنين، ثبتت صحة رؤية وقناعة سميث، وأصبحت شركته الآن رائدة في ميدان نشاطها التجاري.
الاتجاهات الحديثة:
ومن هنا يبدو أهمية الاتجاهات الاستراتيجية، حيث يعتمد الفكر الاستراتيجي الحديث على مفاهيم أساسية، تعتبر المرشد الأساسي للمنظمات التي تسعى للفوز على المنافسين، وزيادة قيمتها من وجهة نظر المتعاملين معها، ومن أهم اتجاهات هذا الفكر ما يلي:
أولًا ـ العولمة.
ثانيًا ـ الجودة الشاملة.
ثالثًا ـ زيادة أهمية العميل.
رابعًا ـ نسبية الفرص والتهديدات والقوة والضعف.
أولًًا ـ العولمة:
يعتمد الفكر الاستراتيجي على إدراك أن البيئة هي وحدة كونية متكاملة؛ فالبيئة التي تعمل فيها المنظمات لا تقتصر فقط على البيئة المحلية، بل تمتد لأبعد من ذلك بحسب طبيعة نشاط المنظمة وحجمها.
فالمنظمات تنظر للأسواق العالمية باعتبارها أسواقمحتملة وفرص ينباغي أن تسعى لاستغلالها كما أن معظم المنظمات لا تكتفي بالموردين المحليين بل تبحث عن مصادر للتوردي أرخص وأكثر كفاءة، سواءً تعلق ذلك بالمواد أم بالعمالة.
هذا ولم يتوقف تعريف المنافسة على المنافسين في السوق المحلي، بل اتسع تعريف المنافسة ليشمل العالم كله، ويمتد أكثر ليشمل المنظمات اليت تعمل في صناعات أخرى، ويمكن أن تنتج بدائل تنافس منتجات المنظمة.
ثانيًا ـ الجودة الشاملة:
لم يعد مقبولًا استراتيجيًّا الاعتماد على فكرة الميزة التنافسية الوحيدة، فلم تعد المنظمات قادرة على الاعتماد على ميزة تنافسية وحيدة تميزها عن المنافسين مثل الاعتماد على تقديم سلعة رخيصة، بل تحولت المنظمات لفكرة الجودة الشاملة والجودة الكاملة "Zero Defect" والتي تعني أن المنظمة تنافس على كل خصائص السلعة، وعلى جودة كل ما تقدمه من خدمات وما تقوم به من أعمال وأنشطة، فقد بينت التجارب تعدد أسباب فشل المنظمات، وأظهرت أن النجاح الحقيقي هو التركيز على الكفاءة وعلى جودة كل أجزاء المنظمة بالكامل.
ثالثًا ـ زيادة أهمية العميل:
أدركت المنظمات المعاصرة أن التنظيم الداخلي والإجراءات والقواعد ينبغي أن توضع من أجل العميل ولزيادة رضاه، فالمنظمات لا تفكر في خصائص منتجاتها ومزاياها ولكن تفكر فيما تشبعه من احتياجات للعميل، فكل عمليات التصميم والتنفيذ والتقييم ينبغي أن تتم من وجهة نظر العميل باعتباره محور اهتمام الإدارة الاستراتيجية ومن ثم تحول الاهتمام من المنتج إلى العميل ورغباته واحتياجاته.
رابعًا ـ نسبية الفرص والتهديدات والقوة والضعف:
أدركت المنظمات أنه لا يوجد فرصة مطلقة أو تهديد مطلق، فهذه أمور نسبية تختلف من منظمة لأخرى وتختلف من وقت لآخر بالنسبة للمنظمة ذاتها، فما يمكن اعتباره قوة قي بداية المنظمة مثل انتشارها الجغرافي الواسع، قد يعتبر نقطة ضعف عند تدهور المنظمة نظرًا لصعوبة التخلص من بعض منافذ التوزيع في بعض المناطق الجغرافية، كما أن تحديد الفرص والتهديدات يتوقف على إمكانيات المنظمة متمثلة في نقاط قوتها وضعفها، كما أدركت المنظمات أن نقاط قوتها وضعفها ليست مسألة مطلقة أيضًا بل ينبغي أن تقيم بالمقارنة بالمنافسين، فالاختلاف في القوة والضعف بالمقارنة بالمنافسين هو الذي يؤخذ في الحسبان.
التحديات الاستراتيجية:
ونتيجة لهذه الاتجاهات الحديثة في الفكر الاستراتيجي، ظهرت تحديات استراتيجية لا يمكن مواجهتها والاستفادة منها إلا إذا أديرت المنظمة بشكل فعال، ومن أبرز تلك التحديات ما يلي:
1. ازدياد سرعة التغيرات:
لقد بات معدل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتكنولوجية آخذ في التسارع خلال السنوات القليلة الماضية، والتغير هو الذي يخلق الفرص والتهديدات، ومن ثم أصبح وضع الاستراتيجيات والتعامل مع الفرص والتهديدات أمرًا هامًا وحيويًّا في المنظمات المعاصرة بالمقارنة بأهمية الاستراتيجيات في المنظمات التي كانت تعمل في بيئة أكثر استقرارًا وثباتًا.
فعلى سبيل المثال، برامج الكمبيوتر والتجارة عبر الإنترنت في تطور وتغير مستمر، ولكي تبقى المنظمة على قيد الحياة، لابد أن تكون قادرة على التأقلم مع هذه المتغيرات المتسارعة.
2. ازدياد حدة المنافسة:
حيث لم تعد المنافسة بين المنظمات مقتصرة على السعر وجودة المنتج فحسب، بل تعددت أسس المنافسة لتشمل كل أنشطة المنظمة، وأصبح من الضروري تتبع استراتيجيات المنافسين ورغبات العملاء حتى يمكن وضع استراتيجيات لمواجهة استراتيجيات المنافسين المتعددة.
وساعدت العولمة بشكل كبير في زيادة تلك المنافسة، واتساع نطاقها لتشمل العالم كله، بالإضافة إلى ما أثمرته من نفوذ كبير للشركات الكبرى والعملاقة، التي جعلت كل أنحاء العالم سوقًا لها.
ولذا؛ فإن الإدارة الاستراتيجية تقوي من مركز المنظمة في ظل الظروف التنافسية سواءً على المستوى المحلي أو العالمي، حيث تنجح المنظمات التي تنتهج الفكر الاستراتيجي في بناء مزايا تنافسية تستند إلى فهمها لبيئتها الخارجية وما تفرزه من فرص وتنميتها لمواردها الداخلية التي تمكنها من استغلال هذه الفرص بطريقة تفوق منافسيها.
3. تغير هيكل العمالة:
بمعنى أن نجاح المنظمات العصرية يعتمد على توافر الخبراء ذوي المعرفة المتخصصة في الانتاج والتسويق والتمويل والإدارة، وهم يمتلكون المعرفة اللازمة والخبرة الضرورية التي تمكنمهم من الإسهام في وضع استراتيجيات ذات كفاءة عالية؛ من أجل زيادة رضا العميل عما يقدمونه من سلع أو خدمات.
4. ندرة الموارد:
حيث بات الصراع على موارد الطاقة والماء والكفاءات النادرة سمة من سمات العصر الحديث، وأصبحت المنظمات تضع استراتيجيات تضمن توفير الموارد كمًا وكيفًا بالشكل الملائم وفي الوقت الملائم، فقد انتهى عصر الوفرة الذي عاشته المنظمات منذ بدء الثورة الصناعية وحتى وقت قريب.
ولذا؛ تساعد الإدارة الاستراتيجية المنظمات على توجيه مواردها المتاحة التوجيه الصحيح في المدى البعيد، كما تسهم في تمكينها من استخدام مواردها وإمكاناتها بشكل فعال، بما يمكنها من استغلال نواحي القوة والتغلب على نواحي الضعف.
5. العناية بالبيئة:
لم تعد المنظمات في العصر الحديث قادرة على تحدي قوانين الحفاظ على البيئة أو تجاهلها؛ وذلك لتعاظم الاهتمام بحماية البيئة وازدياد قوة جماعات حماية البيئة وقدرتها على التأثير على بعض المنظمات وعلى صانعي القرار السياسي الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقرارات الاقتصادية.
وارتفعت دعوات كثيرة من أجل حماية البيئة، حيث لفتت تلك الدعوات نظر المجتمعات العالمية إلى خطر الاحتباس الحراري، وثقب الأوزون، بالإضافة إلى نجاحها في الضغط من أجل سن قوانين واتفاقيات عالمية مثل اتفاقية كيوتو وغيرها.
6. ازدياد أهمية المدراء الاستراتيجيين:
فقد بات واضحًا أن الجزء الأهم من نجاح المنظمات المعاصرة يرجع إلى استراتيجيات مبتكرة وضعها الإداريون الاستراتيجيون، ولذا؛ تدفع لهم تلك المنظمات ملايين الدولارات من أجل استراتيجياتهم فقط، فليس لهؤلاء أي مهام إدارية سوى وضع تلك الاستراتيجيات القاضية بتحقيق الفوز على المنافسين والمهتمة بزيادة رضا العملاء، حتى صار التنافس على هؤلاء سمة عصرية بين المنظمات.
وختامًا:
فإن الإدارة الاستراتيجية علم له خطواته ومراحله، ويتمثل ذلك العلم في مجموعة من المبادئ المستقرة في الفكر الإداري، فهو علم تطبيقي واقعي يستخدم في الفوز على المتنافسين، وزيادة قيمة كثير من المنظمات من وجهة نظر المتعاملين معها، ولا يمكننا تطبيق هذا العلم بصورة جزئية، أو في وقت دون آخر، فالمنظمات التي تقرر الأخذ بالفكر الاستراتيجي عليها أن تطبق كل الأفكار والمبادئ وأن تتبع الخطوات التي استقرت في الفكر الإداري.
كما عليها أن تواكب كل جديد، وتسعى إلى الاستفادة منه، سواءً في مجال الإدارة ونظرياتها، أو في مجال السوق وآلياته، أو في المجال العلمي والتكنولوجي الذي يخرج علينا كل يوم بما هو جديد.
وكل منظمة تسعى إلى النجاح والتميز والمنافسة، عليها أن تسير على هذا الخط، وإلا فسوف تنكمش المنظمة على أقل تقدير، إن لم يكن في ذلك اندثارها تمامًا.
أهم المراجع:
1. الإدارة الاستراتيجية ... الأصول والأسس العلمية، د.محمد أحمد عوض.
2. كيف تصبح قائدًا استراتيجيًّا ... دورك في نجاح مؤسستك الدائم، ريتشارد ل. هيوز وكاترين كولاريللي بيتي.
3. الإدارة الاستراتيجية ... مفاهيم ونماذج تطبيقية، د.ثابت عبد الرحمن إدريس ود.جمال الدين محمد المرسي.
4. الإدارة الاستراتيجية، د.نادية العارف.
المصدر: هشام مصطفى عبد العزيز