ديني ويلش، هل يبدو لك الاسم مألوفًا؟ لا نرجح ذلك، ففي عام 1993م كان ديني يدير "شركة الخدمات والأنظمة المتكاملة" التابعة لشركة "IBM"، وفي حين أن إدارته لوحدة داخل شركة عملاقة كهذه تبدو شيئًا عظيمًا، إلا أن دوره كان صغيرًا نسبيًا قياسًا إلى حجم وبنية الشركة في ذلك الوقت، ولكن يمكن أن يعزى لديني ويلش طيلة سنين عديدة فضل إحداث نقلة كبرى في استراتيجية الشركة العملاقة وتحولها من شركة منتجات إلى شركة خدمات، وكان السر في ذلك هي استراتيجية ديني ويلش الذكية.
يحكي لو جرستنر المدير التنفيذي السابق للشركة عن استرايجية ديني ويلش التي أعلنها له منذ لقاءهما الأول فيقول في كتابه "من يقول أن الأفيال لا تستطيع الرقص؟":
(كان أول لقاء خاص بيننا، لكنه لم يبدد وقتًا طويلًا في المجاملات، أخبرني عن استراتيجيته لشركة الخدمات والتي لا تنحصر فقط في صيانة منتجات "IBM" وجمع رموز وتعليمات برامج الكمبيوتر للعملاء، بل تصور الشركة تتولى وتتصرف باسم زبائنها في جوانب تكنولوجيا المعلومات كافة، من بناء الأنظمة إلى تحديد البنى والهيكليات، إلى إدارة الكمبيوترات وتشغيلها للزبائن).
وأخذ لو جريستنر بتلك الرؤية الاستراتيجية لديني ويلش، والتي توافقت مع استراتيجيته في التكامل والاندماج بين أقسام الشركة، وكان لهذا التوجه دور في إنقاذ عملاق الحاسب الآلي "IBM".
الخصائص الأساسية للإدارة الاستراتيجية:
تمر الإدارة الاستراتيجية بثلاث مراحل متالية تشكل في جملتها عملية ذات خمس خصائص أساسية، أولها أنه لا يمكن البدء في مرحلة إلا قبل الانتهاء من المرحلة السابقة لها، وثانيها أن جودة كل مرحلة تتوقف على جودة المرحلة السابقة لها.
وثالثها أن مراحل الإدارة الاستراتيجية متداخلة ومتكاملة، فالتغيير الذي يحدث في أي منها يؤثر على المراحل الأخرى سواءً السابقة أو اللاحقة لها، فالتغير في الرسالة يؤثر على تغير ومفهوم البيئة الداخلية والبيئة الخارجية التي سوف يتم تقييم كل منهما، كما أن نتائج تقييم البيئة قد يؤدي إلى تغيير الرسالة.
ورابعًا أن الإدارة الاستراتيجية عملية مستمرة، فعملية تقييم ورصد التغيرات في البيئة الداخلية والخارجية تتوقف بل تتم على فترات دورية، وخامسًا أنه ينبغي النظر للإدارة الاستراتيجية باعتبارها عملية ضرورية تتطلب وجود تدفق مستمر للمعلومات تتم بواسطته مراجعة مراحل هذه العملية وإجراء الخطوات التصحيحية في أي من مكوناتها.
المراحل الثلاث للإدارة الاستراتيجية:
1. مرحلة التصميم:
ويطلق عليها أيضًا مرحلة التخطيط الاستراتيجي، وتهتم مرحلة التصميم بوضع الرسالة وتقييم البيئة الداخلية والخارجية، وتحديد الفجوة الاستراتيجية ووضع أهداف طويلة الأجل واختيار أفضل الاستراتيجيات الكلية واستراتيجيات الوحدات الاستراتيجية والاستراتيجيات الوظيفية.
ويلاحظ أن رسالة المنظمة تحدد البيئة التي سوف يتم تجميع المعلومات عنها، في نفس الوقت فإن اكتشاف نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات من خلال عملية التقييم يمكن أن تؤدي إلى تغيير رسالة المنظمة.
وتتطلب عملية التصميم تجميع المعلومات وتحليلها واتخاذ قرارات باختبار أفضل البدائل في كل خطوة من خطواتها وينبغي أن تمارس بأعلى درجة من الكفاءة حيث أن نتائجها ذات أثر طويل الأجل يحدد لفترة طويلة نوع النشاط الذي تركز عليه المنظمة وما تقدمه من خدمات وسلع والأسواق التي تخدمها والتكنولوجيا المستخدمة والبحوث التي سوف تجري والموارد التي سوف تستخدم.
كما يلزم الإدارة الاستراتيجية لأي مؤسسة أن تجيب على الأسئلة التالية:
أ. ما هي مجالات الأعمال الجديدة التي يمكن للمنظمة الدخول فيها والأنشطة التي يجب التوقف عن أدائها؟
ب. كيف سيتم توزيع الموارد؟
ت. هل يتم التوسع من خلال تطوير العمليات القائمة أو من خلال استحداث عمليات جديدة؟
ث. هل يفضل الدخول في الأسواق العالمية؟
ج. هل يتم التكامل مع شركات أخرى أو تكوين شركات مشتركة؟
ح. كيف يتم مواجهة محاولات بعض المضاربين الاستيلاء على الشركة؟
2. مرحلة التطبيق:
تهدف هذه المرحلة إلى تنفيذ الاستراتيجيات، وتتضمن وضع الأهداف قصيرة الأجل ورسم السياسات وتخصيص الموارد المالية والبشرية وتوزيعها بين بدائل الإنفاق، كما تتطلب تهيئة المنظمة من الداخل بما قد يتطلبه ذلك من تعديل الهيكل التنظيمي وإعادة توزيع السلطات والمسئوليات ووضع الأنظمة المختلفة كأنظمة المعلومات وتحديد الإجراءات وتغيير مفهوم الأنشطة واهتماماتها وتحديد خصائص القوى العاملة وتدريبها وتنميتها بما يساعد على تنفيذ الاستراتيجيات.
وفي حين تحتاج مرحلة التصميم إلى نظرة فلسفية فإن هذه المرحلة تحتاج إلى نظرة عملية وقدرة على تحريك الموارد البشرية وغير البشرية بطريقة منظمة ومرتبة تعمل على تنفيذ الاستراتيجيات التي وضعت في المرحلة السابقة.
ولعل أهم أسس نجاح هذه المرحلة هو تحقيق التكامل والتعاون بين الأنشطة والوحدات الإدارية المختلفة في المنظمة لتنفيذ الاستراتيجيات بكفاءة وفاعلية، ويحتاج التطبيق إلى أفكار جديدة وخلاقة وغير تقليدية.
كما يتوقف النجاح في هذه المرحلة على قدرة المديرين على تحفيز العاملين وهي مهمة تقترب من الفن أكثر من العلم، فإن تصميم الاستراتيجية ثم عدم تطبيقها أو تطبيقها بشكل خاطئ يعتبر مضيعة للوقت والجهد.
ومن ثم تمثل المهارات السلوكية والعلاقات الشخصية أمورًا غاية في الأهمية للنجاح في تطبيق الاستراتيجية؛ لأنها تؤثر على العاملين والمديرين في أي مؤسسة على حد سواء، ولذا؛ يقع على عاتق كل إدارة أو قسم مسئولية الإجابة على الأسئلة التالية:
أ. ما الذي ينبغي فعله لتطبيق الجزء الخاص بنا في استراتيجية المنظمة؟
ب. ما هي أفضل سبل أداء العمل؟
ويكمن التحدي الرئيسي عند تطبيق الاستراتيجيات في دفع المديرين والعاملين في كافة أرجاء المنظمة للعمل بكل حماس في سبيل تحقيق الأهداف المحددة.
3. مرحلة التقييم:
تخضع كل الاستراتيجيات لعملية تقييم لمعرفة مدى تناسبها مع التغيرات التي تحدث في البيئة الداخلية والخارجية ولتقييم مدى دقة التنبؤات التي تحويها الخطط، ويتطلب ذلك مقارنة النتائج الفعلية بالأهداف المتوقعة من تطبيق الاستراتيجية واكتشاف الانحرافات التي قد تكون في مرحلة تصميم الاستراتيجية أو في مرحلة تطبيق الاستراتيجية.
وتحتاج المنظمة إلى تجميع بيانات من البيئة الداخلية والبيئة الخارجية حتى يمكن الحكم على مدى نجاح الاستراتيجيات في تحقيق أهدافها، ويتبع ذلك اتخاذ الخطوات التصحيحية في الاستراتيجيات أو لتغيير بعض الأنظمة وهياكل العمل التي كانت السبب في عدم تحقيق الأهداف التي استهدفتها الاستراتيجيات.
إن مرحلة التقييم الاستراتيجي مطلوبة وهامة حيث أن النجاح في الوقت الحالي لا يشير بالضرورة إلى النجاح في المستقبل، ولذا فعلى المديرين الاستراتيجيين الإجابة على الأسئلة التالية:
1. ما هي العناصر الداخلية والخارجية التي تمثل أساس الاستراتيجيات الحالية؟
2. هل تم مراجعة جميع تلك العناصر أم لا؟
3. ما هي معايير قياس الأداء؟ وما هي نتائج تطبيق تلك المعايير؟
4. في حالة الحاجة لاتخاذ اجراءات تصحيحية، ما هي تلك الإجراءات؟ وهل تم اتخاذها بالشكل الصحيح وفي الوقت المناسب؟
العوامل المؤثرة في تلك المراحل:
لقد تم تطوير العديد من المفاهيم والأساليب التي تتعامل مع الإدارة الاستراتجية ومراحلها واستخداماتها بنجاح في العديد من المؤسسات الرائدة مثل شركة جنرال إلكتريك، وغيرها من الشركات العالمية.
ولكن على الرغم من ذلك، فإنه لا يوجد العديد من المؤسسات التي لم تحاول استخدام هذه الأساليب أو أن تطبق شكلًا أو آخر من أشكال الإدارة الاستراتيجية.
وبين هذا وذلك تمكنت بعض المؤسسات من تحقيق النجاح لبعض الوقت بالاعتماد على البداهة والأهداف غير المكتوبة، إلا أنها لم تستطع المحافظة على هذا النجاح أو تدعيمه.
وبصفة عامة تتأثر الإدارة الاستراتيجية بمجموعة من العوامل الرئيسية، ومن أهمها:
1. حجم المؤسسة.
2. عدد الطبقات الإدارية بها.
3. معدلات التغير في بيئة العمل.
ولذا فإن أهمية الإدارة الاستراتيجية واتباع الفكر الاستراتيجي تزداد في الحالات التالية:
1. كبر حجم المنظمة.
2. زيادة عدد الطبقات الإدارية.
3. زيادة معدلات التغير البيئي.
لقد ساهم ارتفاع معدلات مخاطر اتخاذ القرارات وتكلفة القرارات الخاطئة إضافة إلى القيود والأعباء الاقتصادية وتغير أذواق العملاء وزيادة حدة المنافسة والتطور التكنولوجي المتسارع، في زيادة معدلات تبني الفكر الاستراتيجي بواسطة المديرين حتى يتمكنوا من الحفاظ على القدرة التنافسية لمنظماتهم في ظل
ظروف بيئية متغيرة.
الإدارة الاستراتيجية في الحياة الواقعية:
تتمثل الإدارة الاستراتيجية في الحياة الواقعية في مجموعة من القرارات الاستراتيجية مثل إضافة منتج جديد أو استبعاد منتج قائم أو الدخول في نشاط جديد يختلف عن النشاط الحالي للمنظمة، أو اتخاذ قرار بالاندماج مع منظمة قائمة أو بدء مشروع جديد بالاشتراك مع منظمة أخرى أو اتخاذ قرار بالانفتاح على الأسواق العالمية، أو القيام بحملة إعلانية.
ويلاحظ أن القرارات التي تتضمن تغييرًا داخل المنظمة لا تعتبر قرارات استراتيجية إلا إذا كانت تهدف إلى زيادة قيمة المنظمة وزيادة قدرتها التنافسية وزيادة حصتها في السوق، وبمعنى آخر فلا يوجد تصنيف للقرارات الاستراتيجية والقرارات غير الاستراتيجية فقرارات مثل إعادة التنظيم وإدخال الحاسب الآلي وتبسيط الاجراءات وتدعيم وسائل الاتصال بين فروع المنظمة وغير ذلك من القرارات الداخلية البحتة، لا تعتبر قرارات استراتيجية إذا لم تستهدف زيادة قدرة المنظمة على التعامل مع البيئة الخارجية ولكنها تعتبر قرارات استراتيجية حينما تستهدف جعل المنظمة في وضع أفضل للتعامل مع بيئتها الخارجية وجعلها أكثر قدرة على خدمة عملائها بطريقة أفضل مما يستطيعه المنافسون.
فالقرارات الاستراتيجية الداخلية هي التي تهدف التغلب على نقاط الضعف الداخلية وتنظيم استغلال نقاط القوة الداخلية بقصد زيادة قدرة المنظمة على استغلال الفرص الداخلية ومقاومة التأثيرات التي تفرضها البيئة الخارجية.
وعلى سبيل المثال فإن تدريب العاملين يعتبر قرارًا استراتيجيًا إذا كانت المنظمة تدرب العاملين حتى يمتلكوا المهارات والمعارف اللازمة لتحركاتها الاستراتيجية، مثل تصميم برنامج لتعلم اللغة الإنجليزية؛ لأن معظم أسواق المنظمة في الدول المتحدثة بها في حين ترى منظمة أخرى أن من الأفضل التركيز على اللغة اليابانية؛ لأن المشروعات المشتركة مع اليابان هي أحد استراتيجياتها الهامة.
أما المنظمة التي تدرب العاملين لزيادة مهاراتهم بصفة عامة دون ربط التدريب بتحقيق أهداف استراتيجية محددة فإن قرارات التدريب في هذه المنظمة تعتبر قرارات غير استراتيجية.
وختامًا:
فقد كانت تلك مراحل الإدارة الاستراتيجية ما بين التصميم والتطبيق والتقييم وإلى لقاء قريب معًا في سلسلة الفكر الاستراتيجي، للحديث عن مستويات الإدارة الاستراتيجية.
أهم المراجع:
1. الإدارة الاستراتيجية .. الأصول والأسس العلمية، د.محمد أحمد عوض.
2. كيف تصبح قائدًا استراتيجيا .. دورك في نجاح مؤسستك الدائم، ريتشارد هيوز وكاترين كولاريللي.
3. الإدارة الاستراتيجية، د.نادية العارف.
4. من يقول أن الأفيال لا تستطيع الرقص، لو جريستنر.
5. الإدارة الاستراتيجية .. مفاهيم ونماذج تطبيقية، د.ثابت إدريس ود.جمال المرسي.
المصدر: هشام مصطفى عبدالعزيز