إعداد / أحمد السيد كردي
الحمد لله نحمده ، ونستعينه
ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل
له، ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبدالله ،
وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فلا تزال قضية عمل المرأة ، الشغل
الشاغل للمفكرين والعلماء فى الشريعة الإسلامية
وكقاعدة عامة الإسلام لا يمنع المرأة من العمل والتكسب ، ولكنه يضع الحدود
والضوابط التي تلائم وتفيد المجتمع وأفراده ، ذلك أن الإسلام قد قسم الأدوار بين
المرأة والرجل تقسيما عادلا فريدا لبناء أسرة سليمة، ولهذا كان واجبا على من يدعون إلى صيانة المرأة وحفظها
من الاختلاط بالرجال ودعوتها للالتزام بالشرع ، أن يراعوا الظروف ويضعوا الحاجة
المادية موضع الاعتبار وأن يسعوا إلى ابتكار وسائل لتوفير مصدر رزق للمرأة -
المحتاجة بخاصة - بعيدا عن ظروف الاختلاط وبما يحفظ لها كرامتها وعزتها .
من المؤكد أن العمل يشكل محوراً رئيسياً في حياة الإنسان
والقيام بالعمل يشعر المرأة بالرضا والسرور والنجاح وفي ذلك مكافأة هامة وتدعيم
لقيمتها وثقتها بنفسها من النواحي النفسية ، ومما
لا شك فيه أن العمل يجعل المرأة أكثر نضجا وأكثر قيمة في مختلف النواحي الواقعية
والمعنوية .
مما تدعو الحاجة إلى دراسة أهم
الآثار الإيجابية لعمل المرأة عن بعد وتوفير فرص وظيفية لكافة شرائح المجتمع
وتوفير فرص عمل في المناطق النائية وتوفير فرص عمل للمعاقين ومنح المرأة فرصة
العمل للتوفيق بين عملها ورعاية أسرتها , حيث يعد العمل عن بعد أحد أشكال
العمل المرن الذي يتيح التوفيق بين العمل والحياة الشخصية للمرأة لما يحققه من
مراعاة لظروفها،
ولكن على الرغم من ذلك إلا أن التنظيمات والتشريعات الخاصة بعمل المرأة لم تحقق
الاشتراطات اللازمة لتسهيل دخول المرأة سوق العمل ولم تنظم هذا الأسلوب في أداء
الأعمال[1].
إن المرأة العاملة خارج بيتها تنفق من دخلها 40% على
المظهر والمواصلات ، أما تلك التي تعمل في بيتها فهي توفر من تكلفة الطعام والشراب
مالا يقل عن 30% ، حيث توفر مالا يقل عن 70% من الدخل الذي يمكن أن تحصل عليه، بل
يمكنها أن تحقق دخلا أكثر مما تحققه الموظفة ؛ إذ تستطيع أن تحول بيتها إلى ورشة
إنتاجية بأن تصنع في وقت فراغها ما يحتاج إليه بيتها ومجتمعها[2] , مما سيوفر
عليها الخروج وسيجعلها قريبة من أولادها ؛ ويختصر عليها الكثير من الوقت والمجهود،
ويقلل من ازدحام الشوارع، وسيوزع العمل بدلاً من أن يتركّز في مكان واحد، ويمكن
توظيف طاقات كبيرة جداً من النساء ، وهذا العمل له تجارب كثيرة وهناك دراسات في
الشرق والغرب تدل على أهمية تدعيم العمل عن بُعد، وتطويره لمساعدة المرأة
على العمل؛ مما ينبغي علينا أن نوفر لها عملاً في بيتها، إذا كان ذلك مقدوراً عليه[3].
بالرغم من أن هذا الأمر أصبح مألوفاً للمرأة الغربية التي
حصلت على انتزاع هذا الحق بالعمل عن بعد , إلا أن هذه التجربة نفسها لم تجد صدى لدى بعض المتعلمات الحاصلات على
مؤهلات عليا باعتبار أن هذه التجربة تلائم العاملات اليدويات ، خاصة أن النماذج
الشبيهة لدينا في الدول العربية تكاد تقتصر على سيدات يعملن في الحياكة والأشغال
اليدوية، والتشكيلات الفنية، وحتى عندما توسعت التجارب دخل فيها سيدات يعملن
بمساعدة الموظفات في تجهيز الخضروات وإعداد الصلصات والمربات، أو إعداد وجبات
جاهزة أو نصف جاهزة أو خدمة توصيل المشتريات للمنازل أو ترويج مستحضرات التجميل
بين المعارف والأصدقاء ... إلخ ؛ أي أن ما يجمع بين كل هذه الأعمال أنها تعتمد على
المجهود البدني، وتفتقر للمجهود العقلي، ويمكن أن تمارسها المتعلمة وكذلك التي لم
تنل حظا من التعليم[4].
الأمر لدينا هنا لا يقتصر على هذه النظرة القاصرة لعمل
المرأة، واقتران فكرة عمل المرأة بنمط غربي مستورد يتضمن خروجها من البيت والعمل
في مؤسسة أو شركة أو مصنع بدوام كامل، بل يمتد لثقافة أكثر شمولا تزدري دور المرأة
في بيتها، ساهم في تأصيلها الإعلام بوسائله المختلفة ، فقد روجت المسلسلات
والأفلام خلال أكثر من نصف قرن لنمط المرأة العاملة المنتجة مقابل ربة
البيت المستهلكة، فكانت النتيجة الحتمية أن المجتمع بات ينظر للمرأة التي تفرغت
لبيتها وأولادها على أنها طاقة معطلة في المجتمع فوقتها مهدر، ودراستها ضاعت هباء،
وعقلها قد توقف عن التفكير، وهي عاطفية ترجح العاطفة على العقل، وسطحية الفكر،
ويتبع ذلك أن تكون شخصية منزوية غير مواكبة للأحداث، منفصلة عن الواقع لا تدري
بتغيرات المجتمع، بينما المرأة العاملة واقعية عصرية مثقفة واسعة الاطلاع تشارك في
تنمية ونهضة المجتمع ؛ ولكي تكتمل الصورة فلابد للمرأة أن تودع أطفالها منذ
ولادتهم إحدى دور الحضانات، أو تجلب لهم خادمة، أو تتركهم في رعاية بعض الأقارب
لتعود من عملها منهكة تقضي باقي يومها في إعداد الطعام وترتيب البيت، وغالبا ما
تعتمد أسرتها على تناول الوجبات الجاهزة.
والغريب في الأمر أننا استوردنا هذه الصورة النمطية لعمل
المرأة من الغرب، وأغفلنا النماذج الأخرى لعمل المرأة لديهم، وهذه النماذج لا
ترتبط بتواجد المرأة خارج البيت، ولا بإيداع الأطفال في الحضانات، ولا بشراء
الوجبات الجاهزة، بل يكفي أن تخصص إحداهن لنفسها غرفة أو ركنا في البيت وتعد
مكتبا، وجهاز كمبيوتر، وخزانات للأوراق والملفات، وكأنه مكتب عمل حقيقي، وحولها
أطفالها تتابعهم وتشرف عليهم.
فتشير تقارير مكتب الإحصاء الأمريكي إلى أنه بحلول عام 1992
بلغ عدد النساء العاملات من خلال المنزل 10 ملايين امرأة، ويشير المركز القومي
لتحليل السياسات في الولايات المتحدة إلى أن حوالي 17 مليون امرأة تعمل من المنزل
حتى عام 2008. ووفق تقرير وكالة الاحصاءات الوطنية في المملكة المتحدة فإن 3,1
ملايين شخص يعملون من المنزل في عام 2005م، يستخدم منهم 2,4 مليون شخص الكمبيوتر
والهاتف كوسائط للعمل.
وذكر تقرير لشبكة العمالة النسائية غير النظامية (WIEGO) أنه على الرغم من عدم وجود إحصاءات
دقيقة عن عدد العاملين عن بعد فإن المؤشرات تدل على أن هناك ما يزيد عن 100 مليون
شخص في العالم يعملون من منازلهم، تشكل النساء منهم حوالي 80%، وأن أكثر من نصف
هذا العدد في جنوب آسيا. والأمر
يحتاج لدراسة سلبيات وإيجابيات ووسائل وإستراتيجيات وغيرها الكثير للمساهمة في
معاونة المرأة العربية الراغبة في العمل من المنزل على تلمس طريقها ووضع قدمها على
بداية الطريق الصحيح.
وهنا يلزم الأمر مساعدة المرأة فى
الحصول على فرصة للعمل بالضوابط الشرعية إن كانت بحاجة للعمل ، حيث جاءت فكرة
"العمل عن بعد " ببدائل شتى تجنب المرأة للإشكاليات
المتعلقة بخروجها للعمل واختلاطها بالرجال ومشقة تركها المنزل وتتيح لها فرصة
التوفيق بين العمل ورعاية أسرتها وتضمن لها حياة كريمة تكفل لها حق العمل في بيئة
عمل شرعية لتسهم في تنمية مجتمعها، بما يستجيب لحاجاتها ، ويؤمن لها الإستقرار
الاجتماعي والاقتصادي , فإننا نواكب تقدم الأمم
وتتمني أن نجعل من الاحتفال بيوم المرأة فرصة لنشر ثقافة العمل عن بعد من المنزل
في بعض الأعمال القابلة لذلك مع تنظيم التعامل بها وتحديد دقيق لمخرجات الأعمال
المطلوبة, وعمل مواقع خاصة للوظائف التي يمكن العمل بها عن بعد.
(2) مفهوم العمل عن بُعد.
لا يخفى على أحد التطور الكبير
والمستمر الذي تشهده البشرية في مجال التكنولوجيا الإلكترونية الحديثة الأمر الذي
اشتهرت معه عبارة إن العالم قرية صغيرة أو أننا نعيش في عصر تكنولوجيا المعلومات ,
كما لا يخفى على أحد الأثر الكبير لهذه التقنية على كافة مجالات الحياة والتي منها
بلا شك الناحية الاقتصادية بما استحدثته
هذه التقنية من أساليب متطورة في مواجهة بطالة المرأة , مما دفع كافة المشروعات
إلى البحث عن كل الوسائل الوظيفية لدعم فكرة عمل المرأة عن بعد .
والعمل عن بُعد هو
العمل من مكانٍ مستقل عن المكان التقليدي لأداء العمل ، ويستخدم به وسائل الاتصال
الإلكترونية للتمكن من الإبقاء على الاتصال مع صاحب العمل أو المركز الرئيسي
للمنظمة ؛ وهو أسلوب عمل جديد طرحه الواقع
الحالي كحل للكثير من المشاكل العملية التي تواجه عمل المرأة تحديداً في سوق العمل
.
وحسب تعريف منظمة العمل الدولية فإن العمل
عن بعد يقصد به " نظام عمل قائم في مكان بعيد عن المكتب الرئيسي أو مواقع
الإنتاج؛ حيث يكون العامل منفصلا عن الاتصال الشخصي مع العاملين الآخرين، وتقوم
التكنولوجيا الحديثة من خلاله بتسهيل انفصال العامل عن موقع العمل الرسمي من خلال
تسهيل عملية الاتصال " .
يعرِّف فرانسس كينسمان
العمل عن بعد أو الاتصال عن بعد, بالعمل الذي يستلزم أن يؤدى في مكان ما بعيداً عن
المكتب سواء كانت طبيعية العمل دوام كلي أو دوام جزئي أو في أيام معينة , والاتصال
عادة يكون إلكترونياً, بدلاً من الانتقال إليه شخصياً.
وعمل المرأة عن بعد هو
عملها بعيدا عن الشكل التقليدى للوظائف والأعمال المكتبية والفنية فى المنظمات
مستعينه فى ذلك بالأساليب والتقنيات الإلكترونية الحديثة فى الإتصال بينها وبين المستفيد
من الخدمة وفى توصيل الخدمة , وله الكثير من الأساليب والأشكال تحمل مضمونا واحدا
هو عملها عن بعد أو فى المنزل, وهو عمل حر قد يبادر به الشخص من نفسه أو منوط من
قبل منظمة أو شركة ما، ويتم العمل بهذا النظام بالقطعة أو لفترة محددة يتفق عليها صاحب العمل مع
الفرد علي الأجر, ولا يتقيد الفرد بالارتباط بمكان عمل معين إلا عند مناقشة
العمل نفسه أو أثناء عملية المتابعة أو عند التسليم [5].
و تم تعريفه بأنه هو العمل الذي
يؤدى من شخص - موظف - لصالح منشأة محددة ، ومن مكان ما خارج مقر المنشأة ، وبأسلوب
الدوام الكلي . ويُعد الموظف أحد منسوبي المنشأة المستفيدة [6].
ببساطة يمكن العمل عن بعد والحد من
تحكم المكان في الإنجاز وتحقيق المردودات والعوائد المجزية , ولذا يمكن النظر إلى
هذا الأسلوب بمنظور استثماري لاختصار الجهد والوقت وتقليل المصروفات وتبادل
الخبرات والمعلومات مع الجهات الأخرى والمؤسسات المتخصصة داخل الوطن وخارجه
والكوادر الاستشارية المتميزة واختيار الكفاءات المؤهلة من أي مكان في العالم.
ليس ذلك فحسب بل وما يتضمنه العمل
عن بعد من مزايا عديدة للعامل وصاحب العمل والمجتمع , وهذا ما جعل البعض يقرر بحق
أن الألفية الجديدة ستشهد العمل عن بعد عن طريق المنازل أو من خلال المكاتب إما
بشكل جزئي أو كلي لما يحققه هذا الأسلوب من أساليب العمل للعديد من الأهداف أهمها
الراحة والهدوء والحفاظ على الوقت والمال وهي أهم الأمور التي يبحث عنها العامل
بصفة عامة[7].
فضلاً عما يقدمه العمل عن بعد من
مرونة كبيرة في أداء الأعمال لما يصحبه من التحول الكبير من الازدحام في مكاتب
ضيقة المساحة محدودة العدد إلي مكاتب افتراضية لا تتقيد بعدد أو مساحة تتسع لكل
الراغبين في أداء العمل من خلالها أياً كانت أماكن تواجدهم .
فلم يعد بُعد المسافة عائقاً أمام أحد في العصر
الحالي لإنجاز كافة مهامها بالسرعة والدقة المطلوبة , فليس للمكان حاليا دور ملموس
وحاسم في ممارسة كافة المهام والواجبات , فمع تقارب المواقع نتيجة للتقدم التقني
والتكنولوجي المذهل طرأت الكثير من التغيرات في عالم الإتصالات وتبدلت الأساليب
فأصبح المستحيل ممكنا والخيال واقعا وبإمكان أى فرد سواء كان في قطاع خاص أو حكومي أن يتحرك في كل
اتجاه , ومن أي دولة أو منطقة أو مدينة ومن أي جهة داخل المدينة يستطيع إدارة دفة
العمل وعقد الاجتماعات وإبلاغ التوجيهات والحصول على المعلومات والتخطيط وتوزيع
الأدوار.. الخ.
وإزاء ذلك انتشر العمل عن بعد
كأسلوب جديد لأداء الأعمال لدى العديد من الدول لاسيما المتقدمة منها، كالولايات
المتحدة الأمريكية، واليابان، والدول الأوربية، كما استفادة منه بعض الدول النامية
أيضاً كجنوب أفريقيا، وأوغندا، والسنغال، وبنجلادش، والمكسيك حيث أتاح لمواطنيها
العديد من فرص العمل الجديدة، مما أدى إلي زيادة الاهتمام به من قبل المؤسسات
الحكومية والأكاديمية لتأثيره البالغ على سوق العمل وأداء منظمات الأعمال[8] بل وخصص له العديد من المواقع الإلكترونية
والشركات التي تيسر التواصل بين أصحاب الأعمال والراغبين في العمل وفقاً له.
ويزداد الإقبال علي العمل عن بعد
وانتشاره يوما بعد يوم في ظل التطور الكبير والمذهل في عالم الاتصالات والمعلومات
وزيادة استخدام شبكة المعلومات الدولية المعروفة بالإنترنت التي سهلت بشكل كبير
التواصل بين الأفراد والشركات والمؤسسات في شتى أنحاء العالم مما أتاح لهم العديد
من فرص العمل التي لم تكن تتوافر لهم بالوسائل التقليدية أو يمكنهم القيام بها
بالوسائل العادية حيث تحولت بهم الشبكة من مكاتب العمل التقليدية المحدودة إلي
مكاتب افتراضية لا محدودة.
[1] ) حنان الجويعد مديرة إدارة برامج التدريب المشترك
في المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في ورقة عمل " البيئة التشريعية
لنظام العمل عن بعد فى السعوية ,
[2]( حسين شحاته ، أستاذ المحاسبة بكلية التجارة
جامعة الأزهر في دراسة الميدانية قام بها عن عمل المرأة عن بعد .
[3] ) الشيخ سلمان العودة , أهمية عمل المرأة ومشاركتها في التنمية , موقع
الإسلام اليوم , قسم متابعات وحوارات .
[4] ) أمل خيري , "بيتي مقر عملي".. مفهوم جديد لعمل المرأة ,
يوميات صحفية من منازلهم , موقع إسلام أون لاين .
[5])
آية ماهر أستاذ الموارد البشرية بالجامعة
الأمريكية وعضو لجنة التعليم بأمانة السياسات " مفهوم ومميزات العمل عن بعد ، لجريدة "الأهرام":
[6] ) تعريف العمل عن بعد ,
برنامج دعم العمل عن بعد بصندوق الموارد البشرية , المملكة العربية السعودية .
[8])
طارق نوير : العمل عن بعد ومتطلبات التطبيق
في مصر بحث منشور بمجلة مصر المعاصرة , العددان 473و474 ، السنة الخامسة والتسعون ،
تصدرها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع ، يناير / إبريل 2004
صـ 347.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق