موقع مفكرة الإسلام - الاربعاء 27 يوليو 2011
فريد منَّاع
(البلد مليئة بالمدربين الجيدين، ولكن ما يتطلبه الأمر للفوز هو مجموعة من اللاعبين المتحمسين)
دون كوريل
يتسم
عالم اليوم بالتغيرات الإقتصادية والإجتماعية السريعة والمتلاحقة، إلى
جانب رغبة المنظمات في الإستمرار وتحقيق أعلى العوائد الممكنة، مما أدى إلى
تكثيف جهود الباحثين والمفكرين في مجال الإدارة، للبحث عن سلوكيات
تنظيمية، تقوم على أسس علمية رشيدة تساعد المنظمة على الإرتقاء بمستوى
أدائها، في ظل المنافسة الإقتصادية القوية.
وقد
شهد الغرب في العقود الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بسلوكيات المواطنة
التنظيمية، والعوامل المؤثرة عليها؛ وذلك نظرًا لعلاقتها الوطيدة بأداء
المنظمات، ولإمكانية الإستفادة منها من قبل الإدارات لتوجيه السلوك
التنظيمي، وفقًا لما تتطلبه مصلحة المنظمة.
ما هو سلوك المواطنة التنظيمية؟
يعرف
(Chien) سلوك المواطنة التنظيمية بأنه: "تصرف الفرد التطوعي والإختياري،
والذي لا يندرج ضمن الوصف الوظيفي، أو ضمن التعليمات وعقد العمل، أو تحت
نظام الحوافز الرسمي في المنظمة، والهادف إلى تحقيق أهداف المنظمة، وزيادة
فعاليتها وكفاءتها".
كما
يعرفه (Smith) بأنه: "نشاط فردي اختياري، يتسم بطابع الطواعية، فهو يتعدى
إطار الواجبات الرسمية المحددة، ويتضمن رموز وإشارات تحمل معاني إيثارية
أو تعاونية، لا يتطلبها التوصيف الوظيفي الرسمي للتنظيم، وبالتالي لا
يترتب عليه أي مكافأة أو عقاب.
ومع
هذا فهو ضروري لأي منظمة؛ لتحقيق النجاح التنظيمي والإرتقاء بمستوى
الأداء الإجمالي، والمحافظة على التوازن الداخلي للتنظيم، من خلال مساهمته
بتشحيم الآلة الإجتماعية للمنظمة، وتوفير المرونة اللازمة للعمل، في إطار
المواقف الطارئة والأزمات".
سلوك المواطنة التنظيمية ... لماذا؟
إن
أهمية دراسة سلوك المواطنة التنظيمية، تنبع من كونه يساهم في تحسين
الأداء الكلي للمنظمة، عن طريق إدارة العلاقات التبادلية بين الموظفين في
الأقسام والإدارات المختلفة؛ مما يساهم في زيادة حجم المخرجات الكلية
المنجزة.
كما
أن سلوك الموكنة التنظيمية، يساعد على تخفيض حاجة المنظمة إلى تخصيص
الموارد النادرة لوظائف الصيانة، والمحافظة على وحدة تماسك المنظمة،
والإستفادة من هذه الموارد لزيادة الإنتاجية الكلية للمنظمة، ويساهم في
تحسين قدرة المديرين وزملاء العمل على أداء أعمالهم، عن طريق تخصيص وقت
أكبر للتخطيط الفعال، وجدولة الأعمال، وحل المشاكل، وما إلى ذلك.
ويرى الباحثين في مجال المواطنة التنظيمية، أن لها أهمية كبيرة في الأداء الكلي للمنظمة، من خلال:
1. يمد سلوك المواطنة التنظيمية الإدارة بوسائل للتفاعل بين الأفراد داخل المنظمة تؤدي إلى زيادة النتائج الإجمالية المحققة.
2.
نظرًا لندرة الموارد في المنظمات، فإن القيام بالأدوار الإضافية التي
تنبع من سلوك المواطنة التنظيمية يؤدي إلى إمكانية تحقيق المنظمة
لأهدافها.
كما
وتنبع أهمية سلوكيات المواطنة التنظيمية من النتائج والآثار الإيجابية،
التي يمكن أن تحققها للمنظمة، فقد لخص بعض الباحثين بعض الآثار الإيجابية
لسلوك التطوع التنظيمي بما يلي:
1.
يؤدي إلى تخفيف العبء المادي عن المؤسسات، فهو إضافة حقيقية لمواردها،
بحيث يسمح بتوجيه ما كان مقررًا أن تتحمله المؤسسات في توظيف بعض
العاملين، للتوسع في خدماتها والتميز في أدائها.
2. يزيد من مستوى الحماس في الأداء، وهذا ما يفتقده العمل الروتيني.
3. يزيد من مستوى الرضا عن العمل، ويعزز مستوى شعور الأفراد بالإنتماء لمؤسساتهم.
4. يتيح الفرصة للممارسة الديموقراطية، من حيث اختيار الفرد لنوع النشاط الذي يرغب المشاركة فيه، أو التوقيت المناسب له.
5. يوطد العلاقات بين الأفراد والجماعات؛ مما ينعكس إيجابيًا على الأداء المتميز.
6. يزيد من فاعلية الأداء وكفاءته.
7. يؤدي إلى الإلتزام وحل المشكلات.
8. يقلل من مستوى التسرب الوظيفي، ويرفع الروح المعنوية لدى العاملين.
ما هي أبعاد سلوك الموطنة التنظيمية؟
سوف
نقوم بالإعتماد على النموذج الخماسي لأبعاد سلوكيات المواطنة التنظيمية؛
نظرًا لشموليته وتمثيله لكافة جوانب سلوكيات المواطنة التنظيمية، والذي
اعتمده العديد من الباحثين في مجال سلوكيات المواطنة التنظيمية، وفي
مقدمتها دراسة (Podsakoff)، ويشتمل على الأبعاد التالية:
1. الإيثار:
وهو
عبارة عن سلوك اختياري، يقوم به الفرد طواعية لمساعدة زملائه في العمل،
في حل مشكلاتهم المتعلقة بالعمل، ومساعدة العاملين الجدد في التعرف على
أساليب وطرق إنجاز مهامهم، ومساعدة زملاء العمل في إتمام أعمالهم المتراكمة
بسبب الغياب.
2. الكياسة:
وهي
تعكس مدى مساهمة الفرد في منع المشكلات، التي يمكن أن يتعرض لها زملائه
في العمل، عن طريق تقديم النصح وتوفير المعلومات الضرورية، واحترام رغبات
الزملاء الآخرين، والتعرف على آرائهم قبل إتخاذ القرارات أو الأفعال.
3. الروح الرياضية:
وتعكس
مدى مساهمة الفرد في منع زملائه من الصراع والجدال، وتشجيعه لهم على حل
النزاعات التي قد تنشأ بينهم بأسلوب بنّاء، والمساعدة في تسويتها، بالإضافة
إلى استعداده لتقبل بعض الإحباطات، والمضايقات التنظيمية العرضية دون
شكوى، أو تذمر.
4. الطاعة العامة:
وتتعلق
بالجانب النفسي للفرد لتقبل الهيكل التنظيمي، والتوصيف الوظيفي للعمل،
وسياسات دائرة الموظفين داخل المنظمة، وينعكس ذلك في مدى حرصه على الحضور
إلى مكان العمل في المواعيد المحددة، والإسراع في إنجاز المهام الموكلة
إليه، واحترام قواعد وإجراءات وقوانين المنظمة، والحرص على مواردها.
5. السلوك الحضاري أو صدق المواطنة:
وتتضمن
كافة الأنشطة الإختيارية التي يتطوع الفرد للقيام بها؛ حفاظًا على أمن
المنظمة: كالتبليغ عن وجود مخاطر حريق قد يلحق بالمنظمة في المستقبل،
والتأكد من أن الأبواب موصدة، والأنوار مطفأة عند مغادرة مكان العمل،
والتبليغ عن أي أعمال مشبوهة، أو خطرة يمكن أن تلحق الأذى بالمنظمة، وأخذ
زمام المبادرة لوقف عملية تصنيع أي منتج يمكن أن يلحق الأذى بالصحة
البشرية.
كذلك
يعكس السلوك الحضاري، مدى حرص الفرد على تتبع تطورات التقنية في مجال
عمله، والبحث داخل المنظمة وخارجها عن فرص لتطوير العمل في المنظمة، وتقديم
الإقتراحات البناءّة، والمبادرة بمشروعات تحسين لإحداث التغيير نحو
الأفضل ... إلخ.
ما هي العوامل المؤثرة في سلوك المواطنة التنظيمية؟
انطلاقًا
من أهمية سلوك المواطنة التنظيمية في حياة المنظمات، وبحثًا عن أهم
الأسباب التي تقف خلف ظهور أو اختفاء هذا السلوك، عكف الكثير من الباحثين
على إجراء العديد من الدراسات بقصد إيجاد تفسير لهذه الظاهرة، حيث أن سلوك
المواطنة التنظيمية سلوك تطوعي، فهو يرتبط بعلاقة مباشرة أو غير مباشرة مع
مجموعة من المحددات الأساسية، وهي:
1. الرضا الوظيفي:
نظرًا
لأهمية الرضا الوظيفي، تم دراسة علاقته مع مفهوم المواطنة التنظيمية،
ويقصد بالرضا الوظيفي إجمالًا، الحالة العاطفية الإيجابية الناتجة عن تقييم
الفرد لعمله، سواء فيما يتعلق بالمزايا التي يحصل عليها، أو أسلوب
القيادة، أو زملاء العمل، أو المناخ العام ... إلخ.
وفي
ضوء هذا التعريف، أجريت العديد من الدراسات الميدانية للكشف عن العلاقة
بين الرضا وسلوك المواطنة التنظيمية، وخرجت معظم هذه الدراسات بنتيجة
مفادها أن هناك علاقة إيجابية معنوية بين هذين المتغيرين، وأكدت هذه
الدراسات على أن الرضا الوظيفي يعد أكبر محدد لسلوك المواطنة التنظيمية.
2. الإلتزام الوظيفي:
هناك
بعض الدراسات، وجدت علاقة إيجابية قوية بين الإلتزام الوظيفي وسلوك
المواطنة التنظيمية، وهناك دراسات توصلت إلى أنه لا توجد علاقة بينهما، لكن
يُرجع البعض سبب هذا التناقض إلى عدم الأخذ بعين الإعتبار، وجود متغيرات
أخرى محددة لسلوك المواطنة التنظيمية، مثل الرضا والعدالة التنظيمية، حيث
تم تأكيد هذا الطرح في دراسات وجدت أن هناك علاقة بين الإلتزام وسلوك
الموطنة، عندما تم التحكم في متغيري الرضا الوظيفي والعدالة التنظيمية.
3. العدالة التنظيمية:
يتكون
هذا المفهوم من ثلاثة أبعاد رئيسية: عدالة التوزيع، وعدالة الإجراءات،
وعدالة التعاملات، وهذه الأبعاد تبقى مترابطة ومتداخلة، وتؤدي في النهاية
إلى مدى إحساس الموظفين بالعدالة التنظيمية في منظمة العمل.
وفي
هذا الصدد كشفت العديد من الدراسات، أن العدالة التنظيمية تؤثر إيجابيًا
في مكونات سلوك المواطنة التنظيمية؛ وذلك لأن إحساس الموظفين بالمساواة
والإنصاف سواء فيما يتعلق بعدالة الإجراءات، أو التوزيع، أو التعاملات تولد
لديه الشعور بالمسؤولية اتجاه المنظمة، وبالتالي الإنخراط في الكثير من
الممارسات التطوعية غير الرسمية، أو سلوك المواطنة التنظيمية.
4. القيادة الإدارية:
كشفت
بعض الدراسات، عن وجود علاقة قوية بين القيادة التحولية وسلوك المواطنة
التنظيمية، على اعتبار أن القائد التحولي يعمل دومًا على تحفيز موظفيه،
للقيام بأكثر مما هو متوقع منهم، عن طريق العمل كقدوة لهم، والإهتمام
بحاجاتهم وتقديمها على حاجاته الشخصية، مما يعظم من مستوى ثقة مرؤوسيه فيه؛
لأن أقواله دائمًا تنسجم مع أفعاله، وفي هذا الخصوص وجد أن الموظف يقوم
بممارسات تطوعية، عندما يكون مستوى ثقته برئيسه عالية، والعكس صحيح.
5. الدوافع الذاتية:
يقصد بالدوافع الذاتية حاجات الفرد الداخلية للإنجاز وتحقيق الذات، والتي تعمل على تحريك السلوك والعمليات النفسية.
وفي
هذا الصدد يمكن القول أن الموظف الذي يمتع بالدوافع الذاتية، يكون ميالًا
أكثر من غيره إلى ممارسة سلوك المواطنة التنظيمية؛ وذلك لأنها تساهم في
إشباع حاجاته الداخلية المتمثلة بالإنجاز، وتحقيق الذات.
6. الثقافة التنظيمية:
إن
تأثير الثقافة التنظيمية على سلوك المواطنة التنظيمية، يأتي من خلال مدى
تشجيعها، أو رفضها لمثل هذا النوع من السلوك، فإذا كان السائد في المنظمة
أن يمارس الموظفون أنماطًا من السلوكيات التطوعية، ويشجعون على القيام
بذلك، فإن جميع أفراد المنظمة سيتأثرون بذلك، وسينعكس ذلك على سلوكهم
وأفعالهم، والعكس صحيح.
والآن ... ماذا بعد الكلام؟
بناءًا على ما تقدم، نورد بعض الإقتراحات التي يمكن أن تساهم في تحسين سلوك المواطنة التنظيمية في المؤسسات، من خلال:
1. تعزيز ودعم سلوكيات العاملين، من خلال تفعيل إقامة الندوات والدورات؛ لغرس قيم سلوك المواطنة التنظيمية.
2. العمل على تشجيع ممارسة سلوك المواطنة للعاملين، من خلال وضع الأنظمة والتعليمات اللازمة لمكافأة الجهود العفوية والتطوعية لهم.
3. العمل على اعتبار سلوك المواطنة أحد المعايير الهامة في نماذج تقييم الأداء السنوية للعاملين.
4. العمل على اعتبار سلوك المواطنة أحد المعايير الهامة لغايات منح الجدارة وإشغال المناصب الوظيفية في المؤسسة.
وختامًا:
نكون قد سردنا لك ـ عزيزي القاريء ـ:
·
مفهوم سلوك المواطنة التنظيمية وهو: "سلوك اختياري يقوم به الفرد دون
إجبار، كما أنه لا يرتبط بنظم الحوافز الرسمية داخل المنظمة".
· وأهمية سلوك المواطنة التنظيمية، والتي تتمثل في:
1) تخفيف العبء المادي عن المؤسسات.
2) زيادة مستوى الحماس في الأداء.
3) زيادة مستوى الرضا عن العمل.
4) إتاحة الفرصة للممارسة الديموقراطية.
5) توطيد العلاقات بين الأفراد والجماعات.
6) زيادة فاعلية الأداء وكفاءته.
7) الإلتزام وحل المشكلات.
8) تقليل من مستوى التسرب الوظيفي.
·
وأبعاد سلوك المواطنة التنظيمية، واستخدمنا النموذج الخماسي، والذي
اعتمده العديد من الباحثين في مجال سلوكيات المواطنة التنظيمية، وفي
مقدمتها دراسة (Podsakoff)، ويشتمل على الأبعاد التالية:
1) الإيثار.
2) الكياسة.
3) الروح الرياضية.
4) الطاعة العامة.
5) السلوك الحضاري أو صدق المواطنة.
والعوامل المؤثرة في سلوك المواطنة التنظيمية، وهي:
1) الرضا الوظيفي.
2) الإلتزام الوظيفي.
3) العدالة التنظيمية.
4) القيادة الإدارية.
5) الدوافع الذاتية.
6) الثقافة التنظيمية.
أهم المراجع:
1. رسالة ماجيستير بعنوان: "أثر إدراك العاملين للعدالة التنظيمية على أبعاد الأداء السياقي"، صابرين أبو جاسر.
2.
Journal of American Academy of Business: “An investigation of the
relationship of organizational structure, Employees’ personality and
organizational citizenship behaviors”, Chien.
3. Journal of Applied Psychology: “Organizational Citizenship Behavior, Its Nature and Antecedents”, Smith, Organ, Near.
4. Journal of Marketing research: “Organizational citizenship behaviors and sales unit effectiveness”, Podsakoff, Mackenzie.
5. الإنتصار مع فرق العمل، كاترين كاريفلاس.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق