العمل عن بعد حول العالم .
أحمد السيد كردي
بينما نجد أن العمل عن بُعد ظاهرة العصر الإلكتروني
في القرن العشرين ، فإن العمل في المنزل قديم قدم البشرية نفسها ، ففي بريطانيا
وفي مستوطنات المهاجرين الأوائل في أمريكا في القرن السابع عشر الميلادي ، كان
معظم الناس يعملون من منازلهم أو على بُعد مئات الياردات فقط من المنزل، ومن ذلك
ما كان يتبع في سويسرا مثلاً من قيام العاملين بصنع الساعات في منازلهم ، ويعود
ذلك في الغالب إلى ظروف الطقس ، بحيث يعمل الناس في الشتاء في منازلهم بدلاً من
التنقل إلى مراكز المدن , وكذلك الحال في اليابان ، حيث كان الدور التقليدي للمرأة
اليابانية يستلزم منها التواجد في المنزل ، مما دعا الكثير منهن إلى التعاقد مع
المصانع لإنتاج قطع مصنعة أو نصف مصنعة تباع إلى التجار أو المصانع .
أما أسلوب العمل عن بُعد ، فعلى الرغم من أن أغلب برامج
التنقل الإلكتروني " Telecommuting " بدأت في كاليفورنيا ، إلا أن
أول ظهورٍ له كان في ألاسكا . فبسبب الظروف الجوية القاسية وظروف التنقل الصعبة في
ولاية ألاسكا ، بدأ الناس بعمل اجتماعات عن طريق الهاتف ، فهذه الاجتماعات عن بُعد
تسمح للأفراد أن يشاهد بعضهم البعض عبر الشاشة ويتحادثون مع بعضهم .
وفي بداية السبعينات
، بدأ الاهتمام يتزايد في العمل عن بُعد ، كردة فعل للمقاطعة العربية
وارتفاع أسعار النفط ، مما جعل الكثير يطالب بأساليب عمل تقلل من التنقل ، كما
ساهمت الاختناقات المرورية في المدن الرئيسية في زيادة الاهتمام بهذا النوع من
العمل ، وفي الثمانينات كانت دوافع زيادة الاهتمام بأسلوب العمل عن بُعد
دوافع بيئية وللتقليل من التلوث البيئي الذي تسببه وسائل النقل العامة والخاصة.
وفي التسعينات
أدت الخسائر الكبيرة التي نتجت عن الزلزال الذي هز منطقة لوس أنجلوس في
يناير 1994م وعطل نظام الاتصالات وشبكة الطرق إلى بدء الكثير من الشركات بالأخذ
بأحد أنماط العمل عن بُعد كحل لهذه المشكلة .
وعلى الرغم من أن أسلوب العمل عن بُعد قد طبّق
كاستجابة لبعض المشكلات كما هو أعلاه ، إلا أنه من خلال التجربة ظهرت فوائد إضافية
لهذا الأسلوب ، مما جعل الاهتمام في مثل هذا النظام يتزايد مع مرور الوقت , ففي
بحث في قاعدة بيانات إن إي إكس آي إسN E X I S وهي اختصار لكلمة الأخبار العامة وأخبار الأعمال، وهي قاعدة بيانات تفهرس
بها 700 جريدة ومجلة بالولايات المتحدة وخارجها ، وجد أنه أشير إلى كلمة التنقل
الإلكتروني " Telecommuting "
أو المصطلحات ذات العلاقة 194 مرة وفي عام 1993م وجدت 408.1 إشارة إلى التنقل
الإلكتروني ، وفي عام 1994م زاد عدد الإشارات أو ورود الكلمة إلى أكثر من 300.2
مرة .
وفي إحصائية لمؤسسة لينك ريسورس " Link Resources " ، وهي شركة متخصصة بأبحاث التسويق في
نيويورك ، وجد أن تسعة ملايين أمريكي تقريباً يعملون بنظام التنقل الإلكتروني
" Telecommuting "
، وهو ما يعادل 6 % من القوة العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية ويشكل ضعف عدد
العاملين عن بُعد في عام 1990م . وتشير الدراسة بأن العمل عن بُعد ظاهرة في تزايد
مستمر في القطاعين العام والخاص .
ويطلق أيضا على هذا الأسلوب " التوظيف الذاتي
" ، حيث
أن هناك دراسة إحصائية أجريت في الولايات المتحدة تبين أن أكثر من ثلاثين مليون
أمريكي يعملون في منازلهم ، ومن بين هذا العدد 24 مليوناً يعملون لأنفسهم ، بينما
تعمل البقية الباقية لحساب شركات في مهن تتراوح بين تقديم الاستشارات القانونية
والإدارية إلى شؤون إعادة التأهيل .
والتنبؤات التي أجريت من قبل بي آي إس ستراتيجيك ديسيجون
" B I S Strategic Decision " ( شركة متخصصة في متابعة
التقنيات ) تتوقع زيادة سنوية في عدد العاملين عن بُعد بمعدل 12 % في التسعينات .
وفي تنبؤات أخرى يتوقع أن يصل نسبة العاملين بنظام التنقل الإلكتروني 57 % من
القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية أي ما يعادل 66 مليون موظف .
أصدرت منظمة (وورلد آت ورك) المعنية بالموارد
البشرية دراستها السنوية التي انتهت إلى أن 42 % من الشركات الأمريكية أعلنت عن
اتباعها برامج للعمل عن بعد وأشارت إلى أن المحرّض الرئيسي للإقدام على هذه
النوعية من برامج العمل تتمثل في الإنتاجية والمرونة العالية ، وفي كندا قفز الرقم
خلال عام 2008م إلى 40 %.[1]
وفي الولايات المتحدة:
أعلن مكتب إحصاءات القوى البشرية أنه في أيار (مايو) 2001 وصل عدد من يعملون عن
بعد قرابة 19.8 مليون فرد، أي ما يعادل 15 في المائة من العدد الإجمالي للقوى
العاملة، 80 في المائة منهم يستخدمون الحاسب الآلي، و60 في المائة يستخدمون
الإنترنت.
وتشير أحدث التقديرات البريطانية إلى وجود مليون شخص من
العاملين الإلكترونيين في المنازل ، أي ما يعادل 4 % من قوى العمل في بريطانيا
وبذلك ارتفعت أعدادهم إلى الضعف خلال ستة أعوام بعد أن كانت قد بلغت نصف مليون
عامل إلكتروني في عام 1991م .. وبلغ عدد العاملين عن بعد بحسب مكتب الإحصاءات
الوطنية البريطانية عام 2000 نحو 1.6 مليون فرد، أي بما نسبته 5.8 في المائة من
العدد الإجمالي للقوى العاملة، 70 في المائة منهم رجال، و30 في المائة نساء.
وبنسبة زيادة عما كان عليه في عام 1998 تصل إلى 39 في المائة.
وقد أعلن المكتب البريطاني للإحصاءات الوطنية أن
هناك مليونين ممن يعملون عن بعد في بريطانيا خلال الربع الثاني من عام 2002، أي
بنسبة 7.4 في المائة من العدد الكلي للعاملين، وكانت هناك زيادات مطردة في أعداد
العاملين عن بعد تصل إلى 70 في المائة عن السنوات السابقة.
كما أنه من غير المحتمل أن تزول المؤثرات التي شجعت العمل
عن بُعد ، فاختناقات المرور ستتزايد ، والاحترام البيئي سيصبح مهماً أكثر
فأكثر ، وستسعى الشركات لجذب أحسن الموظفين ، وتحسين خدمات العميل وتخفيض التكاليف
، وبناء على هذه الحقائق ، يتوقع انتشار العمل عن بُعد ، وتتفاوت التنبؤات
بصورة كبيرة حول أعداد العاملين عن بُعد ، ويعتمد ذلك بصورة كبيرة على الطريقة
التي يتم بها تعريف هذا الأسلوب من العمل . ولكن المتوقع أن يصل أعداد العاملين
بحلول عام 2010م إلى 33 مليون في الولايات المتحدة وعشرة ملايين في المملكة
المتحدة .
مع ذلك لن تكون هناك ثورة في عالم العمل عن بُعد ،
وأكبر الاحتمالات أن يحدث تطور كبير في أساليب العمل كنتيجة طويلة الأجل للثورة في
تقنية المعلومات . وسوف يندمج أسلوب العمل عن بُعد في الاتجاه السائد
لأسلوب العمل الطبيعي , أما التمييز الحالي بين العمل بالمنزل والعمل بالمراكز
والعمل بالمكاتب سيصبح صعباً ، وسوف تظهر أساليب عمل أكثر مرونة واستقلالاً عن
المكاتب ، وسيصبح عرفاً مقبولاً أن يقضي الناس جزءاً من وقتهم يعملون خارج المكتب
التقليدي .
ومن المحتمل أن يتجاوز عدد العاملين المؤقتين الذين كانوا
يعملون بالمكاتب عدد العاملين عن بُعد بدوام كامل ، والإجماع العام هو أن العمل
بدوام جزئي من المنزل والعمل من المراكز سيصحبان الشكل المهيمن على أشكال العمل
عن بُعد للعاملين في الشركات .
وضع الاتحاد الأوربي هدفا أن يكون هناك عشرة ملايين
فرد يعملون عن بعد بحلول عام 2000 في قارة أوروبا. هذا الحلم وصل تقريبا إلى
تحقيقه، ففي عام 1999، وصل عدد العاملين عن بعد في أوروبا إلى تسعة ملايين فرد.
وربما تضاعف العدد حالياً. في إيرلندا الرابعة على مستوى أوروبا في استخدام
الإنترنت، والسابعة في نسبة توغل استخدام العمل عن بعد[2].
وقد صرح اتحاد
العمل عن بعد الإيرلندي في مايو2001م أن عدد من يعملون عن بعد في إيرلندا قد
بلغ قرابة 61 ألف فرد، ويعادل ذلك 4.4 في المائة تقريبا من العدد الكلي للعاملين.
وفي اليابان: أعلنت جمعية العمل
عن بعد اليابانية أن هناك أكثر من 800 ألف ممن يعملون عن بعد في اليابان عام
1996، وزاد هذا العدد عام 2000 إلى 2.46 مليون أي بنسبة 200 في المائة تقريبا، ومن
المتوقع أن يصبح هذا العدد بحلول عام 2005، 4.45 مليون ممن يعملون عن بعد.
وبدأت بعض الشركات المصرية فى الفترة الأخيرة تطبيق
نظام عمل المرأة عن بعد أو بنظام نصف الوقت ، كذلك هذا المشروع مطبق في
المجتمعات الصناعية ، أو غالب المجتمعات الصناعية مطبق فيها هذا المشروع ، فقد ذكر
التقرير الصادر عن الأمم المتحدة عن القيمة الاقتصادية لعمل المرأة في البيت أن
النساء الآن في المجتمعات الصناعية يساهمن بأكثر من 25% إلى 40% من منتجات الدخل
القومي بأعمالهن المنزلية ، وهذا المشروع الآن مطروح في ماليزيا ، كما صرحت بذلك
شهرزاد عبد الجليل وزيرة تنمية المرأة والأسرة بماليزيا ، ذكرت أنها بصدد اتخاذ
المنزل مكتبا للمرأة ، وعلى قولها إنه سيطرح هذا المشروع في مطلع العام القادم وهو
عام 1425هـ على مجلس الوزراء .
العمل عن بعد في العالم العربي :
يعتبر العمل عن بعد سوق واعدة رغم عدم انتشاره في عالمنا
العربي، ومن أهم مقومات نجاح العمل عن بعد في العالم العربي :-
- وجود بطالة زائدة في بعض الدول العربية ووفرة الوظائف
المعروضة في الدول الأخرى الذي يؤدى غالبا إلى الهجرة وبالتالي يمكن استبدالها
بالعمل عن بعد.
- التقدم
الذي يحدث في الاتصالات في العالم العربي أدى إلى سهولة الربط بين مختلف الدول
العربية, وتوحد اللغة العربية على مستوى العالم العربي يمكن استغلاله بالعمل عن
بعد.
- المرأة العربية وما تفرضه التقاليد والعادات يمكن أن تجد
سوق واسع في العمل عن بعد في مجالات عديدة مثل أعمال الترجمة والكتابة والتأليف
وإعمال الحاسب الاكترونى عامة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق