السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ........ أهلا ومرحبا بكم في ساحة التنمية البشرية والتطوير الإداري

الاثنين، 2 مايو 2011

مدخل إلى إدارة الأعمال .

إدارة الأعمال management هو علم وفن استخدام الموارد المتاحة في مشروع أو مؤسسة أو تنظيم على أفضل الوجوه الممكنة كماً وكيفاً وتكلفة وزمناً، لبلوغ أغراض مقررة. أو بعبارة أخرى هي علم وفن تنسيق عوامل (عناصر) الإنتاج سعياً وراء تحقيق أغراض مقررة لمؤسسة أو تنظيم. وذلك بالإفادة من جهد الإنسان والموارد المتاحة ووسائل الإنتاج على أكمل وجه.
    وعوامل الإنتاج، بحسب التصنيف الكلاسيكي، هي الأرض واليد العاملة ورأس المال وعمليات التنسيق بينها. والإدارة [ر] administration هي القطاع الرئيس في عمليات التنسيق.

    فمنذ أن أدرك الإنسان ضرورة العمل وأهمية تنسيق الجهود لبلوغ أهداف العمل المشترك برزت ضرورة وجود هيئة، في أي مشروع أو مؤسسة أو تنظيم، تتولى الإشراف على سير العمل وتنسيق جهود العاملين فيه، أي إدارته، فالإدارة تعني عملية صنع القرارات ومتابعة تنفيذها في التنظيم من جهة، كما تعني مجموعة الأفراد والمسؤولين الذين يصنعون هذه القرارات ويتابعون تنفيذها من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق ثمة مفهومان لمصطلح «الإدارة» باللغة العربية يقابلهما في اللغات الأجنبية كلمة administration  وكلمة management وهذان المفهومان ليسا شيئاً واحداً مع احتمال الخلط بينهما. فالإدارة في المفهوم الأول هي عملية تحديد أهداف مشروع ما وسياساته وتتبّع إنجازاته سواء كان ذلك التنظيم خاصاً أم عاماً، عسكرياً أم مدنياً، إنتاجياً أم خدمياً أم غير منتج، وكذلك مجموعة الأشخاص المسؤولين عن سير العمل في ذلك المشروع. ومن أهداف هذه الإدارة في مجال الأعمال business، بحسب مفهومها الأول (وتسمى اصطلاحاً الإدارة العليا) تحقيق إنتاج اقتصادي للمشروع، وبيع هذا الإنتاج مع الربح، وتنمية الاستثمارات الداخلة في المشروع حتى النقطة التي تبدأ فيها عوائده بالتقلص. وإن العمل التنفيذي الذي يتولى متابعة تحقيق هذه الأهداف والسياسات يدخل في اختصاص الإدارة بمفهومها الثاني management ولذلك فقد اصطلح على أن يطلق عليها اسم «الإدارة التنفيذية» administrative management وقد يحدث الخلط هنا بين الإدارتين لأن رجال الإدارة التنفيذية يؤثّرون في الغالب في سياسة المشروع وأهدافه.

    ولكي تقوم «الإدارة العليا» والإدارة التنفيذية بمهامها على أكمل وجه ممكن لا بد من وجود بنية هيكلية خاصة بالمشروع، أي وجود تنظيم له في صيغة محددة. وهذا التنظيم هو حجر الأساس الذي يقوم عليه بناء أي مشروع أو مؤسسة. وتكون مهمة الإدارة التنفيذية فيه تنفيذ سياسات الإدارة العليا ضمن إطار ذلك التنظيم. وتتحدد صيغة التنظيم بطبيعة المعضلات التي سيواجهها، وبالظروف التي ستُحل فيها تلك المعضلات، وبطبيعة الأفراد القائمين على التنظيم. وبسبب ازدياد التخصص في وظائف الإدارة التنفيذية فقد تصطدم (الإدارة العليا) للمشاريع بمشكلة التنسيق بين تلك الوظائف وتخصصها. وقد أدى ذلك إلى ظهور نظريات وحلول متباينة لتلك المشكلة، وإلى محاولات تحديد اختصاصات إدارة الأعمال أو الإدارة التنفيذية، ومهماتها ومجالات نشاطها، لذلك برز علم إدارة الأعمال لدراسة المشكلات الإدارية وإيجاد الحلول لها وعليه فإن إدارة الأعمال علم فرضه الواقع وأكده خضوع الكثير من تقنيات إدارة الأعمال للقياس والتحكم والتحديد. وقد حلَّت هذه التقنيات جزئياً محل الاعتماد على الأحكام الفردية والرأي الشخصي. ولكن التنسيق بين تقنيات الإدارة التنفيذية وتحديد درجات تعاون العاملين فيها يجعل من إدارة الأعمال علماً وفناً قائماً بذاته. ومع أن إدارة الأعمال طورت، بادئ ذي بدء، في ميدان الأعمال (التجارة والصناعة) فإن المبادئ الأساسية التي تقوم عليها قابلة للتطبيق في مختلف أنواع التنظيمات، وهذا ما يفتح الباب واسعاً أمام مستقبل «إدارة الأعمال» على أساس كونها علما ًله أسسه وقواعده.

    نشأة علم إدارة الأعمال وتطوره وأهميته

    يعد علم إدارة الأعمال من العلوم الحديثة النشأة في مجال الإدارة والاقتصاد. ولكن مفهوم الإدارة قديم تاريخياً، فهو يستند أساساً إلى سلطة الرؤساء وخضوع المرؤوسين لهم. وقد طَبَّقت مؤسسات ضخمة عريقة الأصول مفهوم الإدارة في تنظيماتها من أجل تنسيق العمل في دوائرها. ويأتي تنظيم الدولة والقوات المسلحة والتنظيم الكنسي في مقدمة هذه المؤسسات. وكان النظام الإقطاعي منذ العصور القديمة يقوم على التنظيم المتسلسل (الخطي)، ويمكن القول إن تنظيم أكثر المشاريع الصناعية التي قامت قبل القرن العشرين كان من هذا القبيل.

    فمالك العمل هو مديره ومدبره،وقد تبلغ سلطاته مبلغ حق الملوك المقدس، وهو صاحب الأمر والنهي في مشروعه، وقد يتخطى بأوامره مراتب جميع موظفيه سواء كانت أوامره صحيحة أم غير صحيحة. وقد يستعين هذا المالك ببعض أفراد أسرته أو أقاربه في إدارة منشآته إذا تجاوزت في حجمها حدود طاقته.

    وكانت كل القرارات الإدارية وتنظيمات العمل تقوم على أساس الخبرة الشخصية والتجربة والحدس. وقد أدت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر إلى نمو حجم الاستثمارات الصناعية الفردية والشركات الصغيرة وإلى مضاعفة رأس المال الضروري لتمويلها، وفرضت مكننة الصناعة ازدياد الطلب على الأموال إلى درجة لم يعد في وسع المصادر المالية للأفراد والأسر توفيرها بالغاً ما بلغ ثراؤها فكان أن عمدت المؤسسات الصناعية إلى بيع أنصبة من مشروعاتها إلى الجمهور في صورة أسهم. وأقرب الأمثلة إلى الذهن في هذا المجال تلك الإمبراطوريات الصناعية التي أقامها رجال من مثل هنري فورد أو أندرو كارنيجي أو جون روكفلر. إلا أنه في سياق التطور التاريخي للنظام الرأسمالي، ومع اتساع الملكية العامة للمؤسسات والمشاريع الصناعية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تحولت هذه المؤسسات من الملكية الفردية إلى ملكية جماعية يستحيل - عملياً - إدارتها من مالكيها، وصار التقليد المتبع هو إدارتها عن طريق مجلس إدارة ينتخبه أصحاب الأسهم.

    وهكذا غدت الإدارة مهنة مستقلة، وصارت الحاجة ماسة إلى وجود مديرين متفرغين يسيّرون العمل ويوجهونه، كما ظهرت الحاجة إلى وجود بنية هيكلية يعتمد عليها المديرون في عملهم الإداري. ويؤلف المديرون التنفيذيون والموظفون الكبار في المؤسسات الضخمة ما يعرف اليوم باسم «الإدارة العليا» ويليهم في المرتبة جماعة الموظفين والإداريين التنفيذيين التي تؤلف ما يمكن أن يطلق عليها مهمة تنفيذ سياسة الإدارة العليا وقراراتها وتوجيهاتها، ويأتي في المرتبة الثالثة فئة هي أقرب إلى الإنتاج الفعلي من سابقتيها، وتضم المشرفين supervisers، ورؤساء المشاغل (الورشات) foremen ورؤساء وحدات العمل،وثم الذين يتولون الإشراف المباشر على سير العمل وتنفيذ جدول الأعمال اليومي المقرر.

    ولما كانت الإدارة في المؤسسات الكبيرة تضم أفراداً كثيرين ومن مستويات مسؤولية مختلفة فقد وجب على المدير أن يثبت جدارته وكفايته في عمله، وكان ذلك من دواعي الاهتمام بالطرائق العملية التي يمكن أن تبيّن مدى نجاح المدير أو إخفاقه. وقد تمخضت جهود الكثير من المديرين المبدعين ورواد حركة الإدارة العلمية عن ولادة علم جديد هو علم إدارة الأعمال وتعود بدايات هذا العلم إلى أواخر القرن التاسع عشر، وهو يعد علماً أمريكي النشأة، لأن أكثر مدارسه ومذاهبه وبحوثه التطبيقية ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية، وطورت على يد علماء ورجال أعمال أمريكيين.ولم يكن فريدريك وينسلو تايلور [ر] FredericWinslow Taylor أول من دعا إلى تطبيق الطرائق العلمية في الإدارة، إلا أنه، لا شك، ترك أعظم الأثر في هذا الميدان.

    كذلك أسهم فرانك جيلبرت Frank Gilbert في ميدان الإدارة العلمية في دراساته حول الزمن والحافز time- and- motion التي سعى فيها إلى بيان الطرائق المثلى لبلوغ الفاعلية القصوى في كل عمل صناعي. ومع أن الخبراء والمهندسين الصناعيين يستطيعون تحسين الإنتاج في أية شركة أو مؤسسة، إلا أن المدراء هم أفضل من يحدد الطرائق الناجعة لتنسيق العمل في المؤسسات الضخمة.
    يرتكز علم إدارة الأعمال اليوم على قواعد ونظريات ومبادئ خاصة به. وما زال بعض هذه القواعد والنظريات موضع جدل بين عدة اتجاهات لم تتوصل بعد إلى رأي واحد حول مفهوم الإدارة بالمعنى العلمي - التقني الموائم للتطور المعاصر. ويسعى علم الإدارة في الوقت الراهن إلى التوفيق بين القيم الإنسانية ومتطلبات التطور التقني، وتحليل سلوك العوامل المؤثرة في الإنتاج والبيئة الداخلية للتنظيم، والتحكم بذلك السلوك في إطار العلاقة التي تربط تلك البيئة بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتقنية في العالم الخارجي.

    ومع ضخامة الإنجازات العلمية والنفسية الاجتماعية والمعلوماتية التي حققتها مدارس الفكر الإداري من أجل تهيئة السبل لممارسة التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة على مستوى المشروع أو التنظيم، فإن علم إدارة الأعمال ما زال يسعى إلى طرح نظرية يمكن أن تطبق على كل الوظائف الإدارية في مختلف مستوياتها وفي جميع أنواع المشروعات والتنظيمات.
    ورجال الإدارة من أكثر أفراد المجتمع دخلاً، فهم يتلقون أجوراً مرتفعة نسبياً وقد يمنحون حصصاً أو أسهماً في الشركات التي يديرونها.

    وقد يحتل الموهوبون منهم مكانة مرموقة خارج عالم الأعمال، وربما اختيروا لشغل مناصب مهمة في الحكومة،وهذا ما يدفعهم إلى اكتساب مهارات سياسية ودبلوماسية كي يظلوا فاعلين في مناصبهم،والإدارة ليست قاصرة على مجتمع الاستثمارات الرأسمالي أو البرجوازي، فهي ضرورية كذلك في المجتمعات الاشتراكية والشيوعية. لأن من يدير معملاً في دولة اشتراكية سيواجه مشكلات كثيرة لا تختلف عن تلك التي يصادفها مدير في دولة رأسمالية ومع أنه قد لا يحقق أرباحاً بالمفهوم الرأسمالي ليحتفظ بوظيفته فإن من واجبه أن ينسق بين مصادره المختلفة ليقدم إنتاجاً أو خدمة مقررة، ويتم تقويم عمله ومدى نجاحه فيه على أساس الزمن والوسائل والمواد التي يحتاج إليها للوصول إلى النتيجة المرجوة. ولما كان عمله ضرورياً على هذا النحو فهو يحصل على مكافأة عن هذا العمل في صورة أجر أو ميزات اجتماعية.

    تنظيم الإدارة
    يمكن أن تفوِّض إدارة الشركة صلاحياتها بالتسلسل الخطي أو الشاقولي من الأعلى إلى الأدنى على غرار التنظيم العسكري. فتتسلسل صلاحيات المديرين من رئيس الشركة إلى كبار الإداريين التنفيذيين فرؤساء المصانع فرؤساء الأقسام فرؤساء المشاغل فالعمال. وهذا الأسلوب الخطي في التنظيم مباشر ومرن في المؤسسات الصغيرة، ولكنه قد يغدو صلباً جامداً في المؤسسات والشركات الكبيرة الضخمة. فإما أن تتركز الصلاحيات في القمة، أو أن تفوّض صلاحيات كثيرة إلى المنفذين الأدنى رتبة، فتصبح سلطة المنفذ غير منازع فيها، وقد يتدخل في كل واقعة عمل، وفي ذلك خطر كبير على سير الإنتاج في الشركة. وقد دل التنظيم الخطي على ضعفه في الأعمال العصرية الحديثة المعقدة تقنياً.

    وثمة أسلوب آخر في الإدارة يقوم على مبدأ التخصص الوظيفي. في هذا النوع من التنظيم يُلزم كل مدير تنفيذي إدارة عمل محدد يكون قد مهر فيه. فيختص أحد المديرين بتدريب العمال، ويختص آخر بالإشراف على الإنتاج، وثالث بالتفتيش أو بصيانة الآلات والمكنات إلى آخر ما هنالك. وقد وجدت بعض الشركات أن هذا التخصص الوظيفي في الإدارة يُحسِّن سير كل عملية صناعية منفصلة، ولكن قد ينتج عنه تفاقم خلط الصلاحيات، فبدلاً من أن يقسم مئة عامل إلى عشر مجموعات يشرف على كل منها مشرف واحد، يكون للمئة عشرة مشرفين، وقد تضيع حدود المسؤولية هنا وتتشابك خطوط الاتصال إلى درجة خطيرة.

    أما الأسلوب الثالث في الإدارة فمختلط يجمع بين التسلسل الخطي والتخصص الوظيفي، وهو الصيغة الأكثر مرونة لأي تنظيم حتى في القوات المسلحة، ويجمع بين محسنات الأسلوبين السابقين. ففي هذه الحالة ثمة رئيس واحد يعطي الأوامر لمجموعة عمال، وهو الذي يحدد عمل كل فرد منهم، ويتحمل مسؤولية أعمالهم أما بقية الرؤساء والمديرين التنفيذيين فليس لهم علاقة مباشرة مع العمال ويكون اتصالهم بهم عن طريق رئيسهم.

    إن تطبيق هذا الأسلوب في الإدارة واضح في المخطط التنظيمي لمعمل بسيط. حيث توجد مختلف الوظائف والمهمات التي تعنى بها الإدارة. إذ من المتفق عليه أن للمعمل وظيفة تصنيعية - إنتاجية، ووظيفة بيع، ووظيفة شراء، وهي كلها وظائف أساسية لكي يكون المعمل منتجاً ويبيع إنتاجه. ولكن الصناعة الحديثة لا يمكن أن تقوم لها قائمة إذا لم تعترف بوظائف أخرى مساعدة وضرورية كالتصميم والدراسات وحفظ الوثائق وإدارة الأفراد. فلا بد من أن يصمم الإنتاج على نحو يلبي حاجة المستهلك.

    ولا بد أن يتبنى المعمل كل الوسائل الفعالة لإنتاج سلعته، وهذا ما يفرض وجود سجلات تبين التكاليف واتجاهات البيع والإيرادات والنفقات وغيرها، كما يفترض وجود إدارة تتولى حل قضايا العاملين وتعاملهم مع نقابة العمل، وتمسك سجلاتهم وتخطط لتقاعدهم وتأميناتهم. وهذه الوظائف جميعها تدخل في نطاق الوظائف المساعدة، ويمكن للإدارة أن تَنْظِم هذه الوظائف في مخططها في فروع أو مكاتب أو أقسام أو مديريات، وقد يغدو ذلك المخطط كثير التعقيد في الشركات الكبيرة الكثيرة الفروع في طول البلاد وعرضها أو في الشركات الدولية المتعددة الجنسيات، والتي قد تضم مجموعة شركات لكل منها خطها وأطرها cadre.

    وإضافة إلى الفروع والمديريات النظامية قد تؤلف في المؤسسة لجان خاصة للقيام بأعباء محددة، وقد تكون هذه اللجان دائمة أو مؤقتة تنتهي مهمتها بانقضاء عملها، ويرى بعض رجال الإدارة ومنظريها أن مثل هذه اللجان، ولا سيما الدائمة منها، قد تشغل المنفذين عن أعمالهم الجارية، وينصحون بالاستغناء عنها، وحجتهم في ذلك أنه إذا كان تنظيم المؤسسة جيداً وإدارتها فاعلة، فإنها تستطيع معالجة كل المشكلات الطارئة بأسلوب مدروس. وقد رافق نمو المؤسسات وتضخمها تفاقم مشكلة المركزية في الإدارة أو لا مركزيتها، فإن كانت الإدارة شديدة المركزية يتجه الميل إلى حصر كل القرارات بالإدارة العليا، ويجب على كل منفذ أن يمرر المشكلة الطارئة إلى المستوى الأعلى، بدلاً من أن يسعى إلى حلها. حتى تبلغ النقطة التي تقف عندها. ويجب، في هذه الحالة، على المستوى الأعلى أن يطلع على أمور هو خالي الذهن منها، وقد يعمد إلى جمع مجموعة من المستشارين والخبراء حوله يساعدونه في عمل كان يمكن أن ينفذ في مستواه الأصلي على أفضل وجه ممكن، كما أن العبء الذي يلقى على عاتق الإدارة العليا يغدو في هذه الحالة ثقيلاً جداً ولو بمساعدة الحاسوب والدارة التلفزيونية المغلقة وغيرها من وسائل الاتصال الداخلي.
    وتجنباً لمثل هذه المواقف قد تلجأ بعض المؤسسات الضخمة إلى تجزئة أنشطتها اختيارياً إلى وحدات عمل صغيرة نسبياً لتتيح لمديريها أكبر قدر من الفاعلية في صنع القرارات، ولكي توجد جواً من التنافس داخل فريق الإدارة ليكون لكل منهم نصيبه من المسؤولية وحصته من الأرباح والخسائر، ويدرك كل واحد منهم ما هي حقوقه وواجباته. ولكن قد يكون لهذه اللامركزية مثالبها أيضاً، وهي على كل حال ليست الأسلوب الأمثل، وإن مصطلحي المركزية واللامركزية ليسا مطلقين، فلا توجد مؤسسة أو تنظيم ذو شأن فيه مركزية تامة أو لا مركزية تامة.

    أدوات الإدارة
    إن اختيار العاملين في الإدارة من أكثر الأمور حيوية لأية مؤسسة أو تنظيم، وتحدد كل وظيفة في المؤسسات الحديثة بشروط المهام المنوطة بها وعلاقتها بالتنظيم كله. ويتم اختيار الأفراد لشغل هذه الوظيفة أو تلك على أسس المؤهل والخبرة. ولكن ذلك غير كاف لشغل الوظائف المهمة، إذ لا بد من تحري بعض العوامل الأخرى التي تساعد المدير التنفيذي على حسن العمل كاستعداده للتعاون مع الآخرين وسرعة تواؤمه مع الوسط الخارجي. ويواجه المرشحون لشغل مناصب الإدارة جملة من الاختبارات النفسية والعقلية، ولكن التوظيف على هذا الأساس قد يأتي بنتائج مخيبة في كثير من الأحيان، ويرى رجال الإدارة أن تستخدم هذه الاختبارات بحكمة وتروٍ، ولا يمكن الحكم على نجاح الموظف الإداري الجديد في عمله إلا بمضي بعض الوقت، وبعد أن يجتاز بنجاح سلسلة من المواقف التي تعترض سبيله.

    وثمة كثير من المديرين يستندون في صنع القرار إلى إحساسهم الشخصي من دون الرجوع إلى ما يعرف بالطرائق العلمية، ومع ما في ذلك من خطر وخطأ، فإن الواقع يدل على ما للخبرة من أهمية في نجاح كل عمل، ومن أولى مهمات الإدارة إتاحة السبل أمام مديريها التنفيذيين المستقلين لاكتساب أكبر قدر من الخبرة كلما صعدوا سلم الإدارة.

    وقد يدخل في نطاق الخبرة الإدارية استخدام الحاسوب أو بعض الأجهزة المكتبية المؤتمتة ويمكن أن يخضع العمل في بعض مجالات الإدارة للقياس والمنطق العلمي. كأن يتم جمع المعطيات وتغذية الحاسوب بها بتطبيق تقنيات البرمجة الخطية أو البحث العلمي أو باستخدام الطرائق الرياضية والإحصاء من أجل تحقيق أحسن النتائج في أقصر وقت، ولا سيما في مجال حساب التكلفة أو التخطيط أو إعداد جدول الإنتاج وتتبّع نتائجه واستخدام وسائل النقل وغيرها.

    وقد تفيد برامج التدريب المخططة في تحسين أساليب الإدارة وإكساب المديرين الخبرة اللازمة، وتطبق في المؤسسات والشركات الكبيرة أساليب تدريب تكاد تقارب ما هو متّبع في المستويات العليا من القوات المسلحة، كالمشاريع ولُعب الحرب، فينقسم رجال الإدارة إلى مجموعات يتولى كل فريق منه تمثيل شؤون إحدى الشركات المزاحمة في السوق، ويتبارى الجميع في مدى يوم أو يومي عمل لتحقيق أفضل النتائج المحتملة للشركة التي يمثلها عن طريق اتخاد القرارات وتحديد الأسعار ووضع خطط التسويق والإنتاج والتطوير المحتملة بناء على حاجة السوق وردود فعل الفرق الأخرى مع الاستعانة بالحاسوب والتقنيات المتوافرة.

    ومهما توافر لصانع القرار من أدوات علمية ورياضية فإن القرار الصحيح الذي يتخذه مرهون بقدرته على المحاكمة الصحيحة، ولاسيما ما يتعلق بالأعمال الصناعية المستقرة والقائمة على أسس ثابتة والتي تتطلب زمناً كي تعطي مردودها كاملاً. وقد يكون هذا الزمن نصف سنة أو سنة أو خمس سنوات أو أكثر، ولاسيما المشروعات الكبيرة القائمة على أدوات باهظة التكاليف. فهنا تغدو المحاكمة والإحساس الداخلي مطلوبين لمناقشة المعطيات التي يقدمها الحساب العلمي، كحساب التكلفة مثلاً. لأن هذا الحساب لا يمكن أن يكون مقيداً بضوابط ثابتة، وإذا كان الأمر كذلك فإن كل الحسابات التي تتعلق به تبقى قابلة للمناقشة. ولا يمكن في الواقع تقديم معطيات قريبة من الدقة إلا في ضوء المحاكمة المنطقية للحالة المطلوبة، وتزداد المعطيات غير المؤكدة بسبب نقص المعلومات المتوافرة عن اختيارات المستقبل. وهي تؤثر في قرارات المديرين في المؤسسة وفي المؤسسات المنافسة. والإدارة الناجحة هي التي تستفيد من أكثر الأساليب الرياضية ومن الخبرة ومن حسن محاكمة رجال الإدارة فيها.

    الإدارة في البلدان الاشتراكية
    كان الاتحاد السوفييتي قبل زواله يدعو إلى تبني النظام الاشتراكي في العالم منذ عام 1917، وقد طبق الاتحاد مبدأ تسييس الإدارة في المؤسسات الاشتراكية ضماناً لولاء جهاز الإدارة وتوجيهه نحو تحقيق أهداف الدولة في مجال الدفاع والتنمية. وسارت على منهج الاتحاد السوفييتي، مع بعض الاختلاف في التطبيق، دول كثيرة تبنت النظام الاشتراكي أساساً لبناء مؤسساتها واقتصادها. واستند هذا النظام عموماً إلى مبدأ مركزية التخطيط والرقابة على تنفيذ الخطة العامة المقررة لكل مؤسسة، ومبدأ نظام الأجور والحوافز على أساس القاعدة «من كل بحسب طاقته ولكل بحسب عمله» وقد أدخلت تعديلات كثيرة على خطط العمل المبنية على المبادئ السابقة في كل دولة من دول المنظومة الاشتراكية بحسب الظروف التي أحاطت بها. فتبنى الاتحاد السوفييتي في عام 1965 - على سبيل المثال - تعديلاً في أسلوب إعداد الخطة العامة للدولة، يبدأ بموجبه التخطيط من القاعدة ومن مستوى الوحدة الاقتصادية، في إطار علاقة مباشرة بين الأهداف المحددة للمؤسسة وأولويات الخطة «القطاعية» وأهداف التنمية الشاملة للاقتصاد الوطني.

    وأعطيت الإدارة التنفيذية في المؤسسات الاشتراكية حرية أكبر، كذلك دار حوار مكثف في الاتحاد السوفييتي، قبل انهياره، لتعزيز مسؤولية الإدارة والمؤسسة كلها عن نتائج تنفيذ الخطة المقررة لها على أساس تعزيز ديمقراطية الإدارة وزيادة استقلالها الإداري والمالي.

    واتخذت إجراءات واسعة في إطار سياسة إعادة البناء (البيريسترويكا) من أجل التحول إلى اقتصاد السوق، وأدى ذلك إلى تبدل كبير في أساليب إدارة المؤسسات الاقتصادية في جمهورية روسية الاتحادية التي ورثت الاتحاد السوفييتي.

المصدر: محمد وليد الجلاد

أهم المشاركات