السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ........ أهلا ومرحبا بكم في ساحة التنمية البشرية والتطوير الإداري

الأحد، 29 يناير 2012

مواجهة بطالة المرأة بالعمل عن بعد .

undefined

مواجهة بطالة المرأة بالعمل عن بعد .

إعداد / أحمد السيد كردي

تفاقمت مشكلة «البَطالة» عند المرأة، وبدأت المطالبات بفتح أبواب توظيفها حتى يتم توظيف الأعداد الكبيرة من النساء اللاَّتي ينتظرن أعمال المكاتب، والمصانع والمزارع، بعيداً عن مجال عملهم الأهم الأوسع والأفضل في بيوتهنّ, وإذا التفتنا إلى الوضع الطبيعي لعمل المرأة وجدنا أن وظيفتها الكبرى في منزلها، تعدل كلَّ الأَعمال الأخرى التي تقتحم فيها مجالاتٍ ليست لها إلا في نطاقٍ ضيف, ليس في مجتعاتنا نساء عاطلات، وليس في حياة المرأة المسلمة بَطالة، إنَّما نشأت هذه القضايا من وجود خَلَلٍ في حياة الأسرة المسلمة، والمجتمعات المسلمة في ظل هذا التّيه الحضاري الخطير الذي يعيشه العالم[1].

والعمل عن بعد قضية أثيرت كثيرا في الأونة الأخيرة وتحمس لها الكثيرون ونظروا لها وتحدثوا عن مشروعات كبيرة استيعابية, وتحقيق "أحلام "الباحثات عن الوظائف, في ظل زيادة أعداد الخريجات من الجامعات, وقلة فرص العمل, والبطالة بين النساء التي وصلت إلى أرقام كبيرة, فالعمل عن بعد يوفر فرص عمل -جزئية أو كلية- مع وجود المرأة في بيتها, ترعى شؤون أسرتها وتنتج وتحصل على راتب بدون نفقات تذكر بالمقارنة بالمرأة العاملة خارج المنزل[2].

فمؤيدو هذا المقترح يرون أنه يمثل مخرجاً كريماً للنساء العاملات، وأنه ما دامت الحاجة المادية هي الدافع وراء عمل قسم كبير من النساء، فإن هذا الحل يوفر بيئة آمنة للمرأة العاملة، يحفظها من مخالطة الرجال. وبالمقابل يؤكد المعارضون للفكرة أنها عودة للوراء وأن المرأة مشاركة أساسية في التنمية, وأثبتت وجودها في الأعمال التي أنيطت بها, وأن العمل عن بعد غير مستقر وجزئي وبلا ضمانات ولا حقوق, ولا يمكن أن تضحي المرأة بفرصة عمل مستقرة نظير عمل غير ثابت.

 ودار نقاش وجدال واسع بين مؤيدي العمل عن بعد كحل لمشكلة توظيف السعوديات، ولو بشكل مؤقت, وبين من يرون فيه هروباً من حل مشكلة البطالة بين خريجات الجامعات والمعاهد, والمؤهلات لسوق العمل ولا يجدن فرصة لهن.

وتم استفسار من بعض الأكاديميين والمختصين للتعرفت على وجهات نظرهم فكانت الحصيلة التالية:

1- مفرزات التقنية:- بداية يرى الشيخ خالد بن عبد العزيز العثمان أن عمل المرأة عن بعد من إفرازات الثورة الحديثة في المجتمعات التي فرضت على النساء الخروج للعمل، وقال: هذا الوضع أدى لإهمال الأسرة والعائلة فتنبه بعض المصلحين الاجتماعيين لهذه القضية وتنبهوا لخطرها ففكروا في وضع حلول لهذه المعضلة النازلة فكان من الحلول الوسطية لهذه القضية عمل المرأة عن بعد أو في المنزل بمقابل مادي، ثم ظهرت دراسات وأبحاث تحليلية لحل ما يواجه هذا الحل من معوقات.

 وأضاف العثمان: حسب تعريف منظمة العمل الدولية فإن العمل عن بعد يقصد به "نظام عمل قائم في مكان بعيد عن المكتب الرئيسي أو مواقع الإنتاج؛ حيث يكون العامل منفصلاً عن الاتصال الشخصي مع العاملين الآخرين، وتقوم التكنولوجيا الحديثة من خلاله بتسهيل انفصال العامل عن موقع العمل الرسمي من خلال تسهيل عملية الاتصال.

 وبناءً على هذا التعريف فإن أبرز الأعمال التي يمكن القيام بها بنظري هي مهن: الخياطة, الطبخ, الحاسب الآلي، وفيها فروع كثيرة, التجميل وتوابعه، والشعر والماكياج ونحوها, الصناعة المتعلقة بالمستلزمات النسائية كصناعة الإكسسوارات البسيطة وبعض التحف الجميلة والقطع الخزفية والخوص والفخار ونحوها, وحضانة أبناء العاملات، سواء في الفترة الصباحية أو المسائية, والترجمة وغير ذلك من المجالات.

2- ضعف الفرص المتاحة:- وتقول المشرفة على كرسي مؤسسة عبد الرحمن الراجحي الدكتورة نورة بنت عبد الله بن عدوان: لابد من دراسة الإجراءات التي تضمن حق المرأة في بيئة عمل مرنة وآمنة. هناك تحديات تعوق مشاركة المرأة حالياً في سوق العمل, وهناك ضعف في الفرص الوظيفية المتاحة لها، إضافة إلى ضرورة الحفاظ على أدوار المرأة في الأسرة والتنشئة الاجتماعية .

 وطالبت د. العدوان بتأسيس اللوائح التنظيمية والتشريعية لتطبيق نظام العمل المرن، وتبني سياسات تشغيل متطورة ومرنة من شأنها تشجيع تطبيق أسلوب العمل الجزئي, والعمل عن بعد في المجالات الملائمة، وتطبيق مفهوم العمل عن بعد بشكل أوسع في القطاعين الحكومي والخاص، الأمر الذي يعزز الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي للمرأة والأسرة، ويساعد المرأة على أداء أدوارها في المجال الخاص في الوقت الذي تستفيد فيه من فرص العمل المتاحة عن طريق العمل عن بعد والعمل الجزئي.

وبتنظيم مجالات بيئة العمل عن بعد، ومناقشة الآليات التشريعية لعمل المرأة بنظام العمل الجزئي والعمل عن بعد، وصولاً لتطوير بيئة وأنظمة وتشريعات عمل المرأة، الأمر الذي يؤسس لأنظمة عمل مرنة تتوافق مع دورها في المجال الأسري.

3- معاهد تقنية للبنات:- من جانبها تشير الدكتورة منيرة بنت سليمان العلولا إلى ضرورة الاهتمام بتفعيل عمل المرأة, وإتاحة الفرص لها بالتدريب والتوظيف, وفق ما تسمح به نظم الشريعة الإسلامية, في الأعمال المتاحة التي تتناسب مع إمكاناتها وقدراتها، وتكليف إدارات ومؤسسات الدولة على إيجاد فرص التعليم والتدريب والتوظيف للمرأة خاصة، قائلة: كان لهذا القرار نتائج جيدة منها إنشاء المعاهد التقنية العليا للبنات التي تدرِّب المواطنات على مهن كانت حكراً على الوافدات فأتاحت للبنات فرص وظيفية عملية في القطاع الخاص والقطاع الحكومي, وتشكيل لجنة تفعيل عمل المرأة من المنزل.

4- الشرط الوحيد وبدورها توضح الدكتورة سعاد الحارثي أنها لمست الحرص من سيدات الأعمال السعوديات في المنتدى الاقتصادي قبل ثلاث سنوات على تطبيق نظام العمل عن بعد، وهناك دراسة عن العمل المرن أشارت إلى أنَّ 66% من العينة مستعدين للعمل من أي مكان وفي أي زمان مع راتب أقل بشرط عدم الحضور للمكتب. وقالت: دراسة استراتيجيات العمل عن بعد ضرورة لمواجهة التحديات المستقبلية في بيئة منظمات الأعمال، وأشارت إلى أنَّ العمل عن بعد توجه عالمي في بيئة الأعمال، وأكدت العديد من الدراسات الحديثة أن العمل عن بعد يعطينا فرصة للتنوع الثري.

فالعمل عن بعد والعمل الجزئي طارئ على المملكة، ولم يكن له قوانين تشرعه، وإن كانت هناك جهود تبذل منها تشريع العمل عن بعد وتنظيمه من خلال ما يقام من ندوات وملتقيات مثل ملتقى العمل عن بعد الفرص والتحديات الذي عقد في القصيم.

5- توجه عالمي:- من جانبها تعتبر الباحثة قمراء السبيعي أنَّ ممارسة المرأة للعمل مرهون بحاجتها، وأنه لا يوجد ما يمنعها شرعاً من العمل ما دامت الضوابط متوفر، وقالت: لم يحرم الإسلام على المرأة حقها في العمل، وضبط ذلك بضوابط منها: ألا يكون عملها على حساب واجباتها نحو زوجها وولدها، فعمل المرأة في الأصل هو في بيتها، والعمل خارجه طارئ، وألا تختلط بالرجال ولا تزاحمهم، وقد قرأنا بعض الأطروحات التي تركز على بعض الوظائف النسائية المعدودة في بيئات مختلطة غير آمنة ، وكأنها الحل الوحيد لبطالة المرأة! وتجاهلت الدراسات العلمية والميدانية والتجارب الدولية الناجحة التي قدمت في هذا الشأن، ومنها ممارسة المرأة للعمل المرن (العمل عن بعد، العمل الجزئي، العمل من المنزل).

 وعن أهم الأسباب التي تجعل العمل عن بعد والعمل الجزئي مطلباً مهماً في ميدان عمل المرأة تقول السبيعي: قلة الوظائف المطروحة ذات البيئات الآمنة والبعيدة عن الاختلاط، وزيادة أعداد الخريجات بشكل سنوي مما يعرضهن للبطالة في ظل احتياجهن للعمل، ويتيح لهن التوفيق بين مسؤوليات العمل والأسرة، إضافةً إلى الإفادة من الوسائل التقنية والمعلوماتية المتطورة، ومن خلاله يتم تنشيط وتشجيع الأعمال الحرة المستقلة الصغيرة، والتقليل من الازدحام المروري، والحد من الهجرة إلى المدن، والاستفادة من أصحاب المهن والتخصصات النادرة.

وعن انتشار هذا النموذج من العمل في الخارج فهناك توجه عالمي لتطبيق أسلوب العمل عن بعد، ويمكن الإفادة من تجارب هؤلاء، ففي بريطانيا بلغ عدد العاملين فيها عن بعد 1.6 مليون فرد، 70% منهم رجال و30% نساء. وفي الولايات المتحدة وصل العدد إلى 19.8 مليون فرد، أي ما يعادل 15% من العدد الإجمالي للقوى العاملة، 57% رجال، 43% نساء، وفي كندا بلغ العدد مليون ونصف المليون فرد، ومن المتوقع أن يبلغ العدد في اليابان 13.2 مليون فرد بحلول عام 2015م.

 وعن الأعمال التي من الممكن للمرأة ممارسة العمل عن بعد فيها قالت السبيعي: طبقاً للنتائج التي أكدتها الدراسات واستطلاعات الرأي فإن من أبرز هذه الأعمال: التسويق، المحاسبة، إدارة المواقع والمنتديات الالكترونية، التصميم، ممارسة مهام الصحافة الالكترونية، ممارسة أعمال الحاسب الآلي، الإعلانات، طباعة الأبحاث، النشر الالكتروني، أعمال الترجمة، البرمجة، الأعمال البنكية، إدخال البيانات، ممارسة الأعمال الإدارية، تقديم الاستشارات القانونية والأسرية والاجتماعية، التدقيق اللغوي، الأعمال المكتبية، باحثة انترنت، الدعاية والإعلان وتصميمها وغيرها الكثير.

6- العمل عن بعد موجود في مجتمعنا .. ولابد من تشريعات وضوابط يرى أستاذ التربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور عبد الله بن محمد السهلي أن العمل عن بعد قد يكون مناسباً بدرجة أكبر للمرأة السعودية, خاصة في المجتمع المحافظ, ولكن الأمر يحتاج إلى نظم وتشريعات تحدد أطر هذا العمل وضوابطه ومعاييره والحقوق والالتزامات بين الطرفين, فهناك من ينظر للعمل عن بعد بأنه مؤقت وجزئي, ولا تترتب عليه التزامات، ومن ثم هو أشبه بالعمل الفصلي أو المؤقت, وهذا يجعل الكثيرون يتخوفون منه, في ظل عدم وجود تجارب كبيرة في هذا المجال.

 وقال السهلي: بالنظر إلى تجارب الدول الأخرى خاصة المتقدمة, نجد أن العمل عن بعد, له أنظمته, ومن ثم فهو عمل مستقر ويوفر وظائف كثيرة لشرائح مختلفة من الناس وليس مقتصرا على المرأة فقط, ولكن في بلادنا مازال المفهوم التقليدي للوظيفة "مكتب" و "دوام" و حضور وانصراف جسدي, وإن كان في ظل التقنية الحديثة من الممكن ضبط مسألة الوجود لساعات محددة, والتواصل حتى المباشر عن طريق الشات والماسنجر, فالأمر بحاجة إلى تهيئة وتدريب وتأهيل وتحفيز للمجتمع.

 وأشار السهلي إلى أن القطاعات الخدمية, هي المجال الخصب للعمل عن بعد, وقال: هناك تجارب فردية ناجحة تقوم بها نساء بالاتفاق مع مدارس لتجهيز وجبات معينة للأطفال, وفق شروط وضوابط. فالعمل عن بعد كان موجوداً في مجتمعنا حتى وقت قريب، بل كان أساسياً, فكنا نشتري السمن وغيره من المنتجات التي تنتج في المنازل, وكانت هناك أسر تربي الطيور والأغنام وتقوم ببيعها. وعن المحاذير لهذا النوع من العمل قال السهلي: المحاذير كثيرة, لكن وضع الاشتراطات والضوابط التي تنظم هذا العمل تحل كثيراً منها. العمل عن بعد لا يقتصر على القطاع الخاص والأهلي بل هناك وظائف حكومية من الممكن انجازها عن بعد بسرعة وسهولة في ظل التقنية الحديثة والتوجه نحو الحكومة الإليكترونية ومن الممكن أن يقوم موظف حكومي بعمله الخدمي دون حاجة لوجوده في مكتب أو مبنى حكومي, فالعبرة بالإنتاج لا بالدوام والوظيفة والروتين والبيروقراطية, كما أن الكثير من الوظائف لا تحتاج إلى مقابلات ولكن المؤهلات والخبرة والتدريب على الوظيفة هي الأهم.

ويشير الأستاذ بجامعة القصيم الدكتور عزيز مشيقح إلى أن التوظيف عن بعد موجود ولا يمكن تجاهله, وشدد على أن الهواجس هي سبب الرفض فالنساء في المدن يبعن ويشترين ويقول: الحاجة ماسة إلى هذا النوع من الحلول لتوظيف خريجات الجامعات حتى يتم تعيينهن, وأرى أن الجامعات هي المكان الخصب لهذا التوجه, وعلينا أن نستفيد من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال, بعيدا عن الشعارات البراقة, هناك أناس يعملون وينتجون ويدرون دخلاً لهم, ونحن في حاجة إلى هيكلة الوضع, وألا نترك الأمر مفتوحاً.

 لابد من أسس ولوائح وشرعنة النظم التي تحدد عمل الفتيات أو النساء عن بعد, وأن تكون هناك مؤسسات معترف بها, وبرامج للتشغيل الذاتي, وبرامج توظيف. مشكلة توظيف المرأة لدينا ستظل مشكلة شائكة, وأمامنا نموذجين الأول خليجي علينا النظر إليه, فكل ما يعمل في دول الخليج ننتظر نحن خمس سنوات لنعمل به, ومعظم السعوديات يرتدن دول الخليج وقرأت أن 400 سعودية حصلن على رخصة قيادة سيارة في البحرين, ومن ثم ما يكون في دول الخليج يأتي إلينا, والمسألة مسألة وقت فقط, ومسالة توظيف "البائعات" مجرد صدى إعلامي, المعارضون أقحموا العلماء في المسألة, رغم أن النساء هنا في قلب بريدة وعنيزة وكل مدن المملكة يبعن في الأسواق ويشترين ولا يوجد ما يمنع.

 وبين مشيقح أن اختلاف المجتمع حول قضية ليس بسبب الحواجز الدينية ولكن الهواجس, وقال: الذي سيطر على البعض عقب تعيين نساء بائعات سؤال "ماذا بعد البائعات؟", ومن قال : ليس الهدف توظيف بائعات ولكن ما بعد ذلك؟ وأشاروا إلى أنه قيادة المرأة للسيارة.

 وعن تجربته الشخصية قال: بدأنا تجربة "العمل عن بعد" باختيار خريجات يقمن بمساعدة الأستاذ, أي العمل سكرتيرات, وبدأنا في توظيفهن براتب 1500ريال شهرياً, فالموظفة يعهد إليها بمهام محددة تقوم بها وتنجزها عبر الكمبيوتر, وهي في بيتها ويدخل لها دخل ولو بسيط حتى يتم تعيينها, وهي تجربة جيدة , يتم اختيار الخريجات الجدد, وتزوَّد كل واحدة بجهاز حاسوب, وتؤهل للوظيفة والمهام المطلوبة منها, وهذا حل معقول, فقد تكون الخريجة راغبة في استكمال الدراسات العليا وفي حاجة إلى دخل يعينها على تحمل النفقات أو المساهمة في إعالة أسرتها.

 لدينا أيضاً تجربة أخرى في مصنع بالقصيم للتغليف حيث نحاول تأهيل 300 فتاة للعمل في تغليف الحلويات. وعن كسر الحواجز في التعامل مع النساء قال مشيقح: هناك طالبات يحضرن رسائل ماجستير ودكتوراه تحت إشراف أساتذة, فهناك تعامل بين الطالبة وأستاذها, وهو نفس الأمر بالنسبة للتعامل في العمل عن بعد, يعهد إليهن بأعمال محددة ومعدل انجاز معين يومياً, وأضاف أن الوظيفة عن بعد ستحل جانب كبير من التوظيف, ولكن لا نطلق التوظيف عن بعد وليس خلفنا أسس يقوم عليها.

ويمكن من خلال مشروع العمل عن بعد وضع حدا فاصلا لمقاومة البطالة بالنسبة للمرأة فى المجتمع حيث تمارس النساء أعمال‏,‏ مثل الحياكة والتريكو والأشغال اليدوية وتربية الطيور وتعبئة الخضراوات‏,‏ ويعادل هذا النوع من الأعمال ثلث إنتاج الاقتصاد العالمي‏,‏ كما أكدت دراسة دولية حديثة‏,‏ موضحة أن المرأة التي تدير مشروعا في منزلها توفر جزءا كبيرا من الدخل الذي تحصل عليه لأن المرأة العاملة تنفق‏40%‏ من دخلها علي المظهر والمواصلات‏ , وتمثل المشروعات الصغيرة سواء كانت بتدخل إلكترونى أو بالشكل التقليدى إحدى القطاعات الاقتصادية التي تستحوذ على اهتمام كبير من قبل دول العالم كافة والمنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، والباحثين في ظل التغيرات والتحولات الاقتصادية العالمية، وذلك بسبب دورها المحوري في الإنتاج والتشغيل وإدرار الدخل والابتكار والتقدم التكنولوجي علاوة على دورها في تحقيق الاهداف الاقتصادية والاجتماعية لجميع الدول.

ويشكل العمل عن بعد اليوم محور اهتمام السياسات الصناعية الهادفة إلى تخفيض معدلات البطالة في الدول المتقدمة صناعيا بصرف النظر عن فلسفاتها الاقتصادية وأسلوب إدارة اقتصادها الوطني . ويمكن إيجاز أهم الظواهر الإيجابية التي تقترن بقطاع الأعمال الصغيرة فيما يلي:[3]

1. تتميّز هذه الأعمال بالانتشار الجغرافي وتخطى حاجز الزمان والمكان مما يساعد على تقليل التفاوتات الإقليمية، وتحقيق التنمية المكانية المتوازنة، وخدمة الأسواق المحدودة التي لا تغرى المنشآت الكبيرة بالتوطّن بالقرب منها أو بالتعامل معها.

2. توفر هذه الأعمال سلعاً وخدمات لفئات المجتمع ذات الدخل المحدود والتي تسعى للحصول عليها بأسعار رخيصة نسبياً تتفق مع قدراتها الشرائية (وإن كان الأمر يتطلب التنازل بعض الشيء عن اعتبارات الجودة).

3. تحافظ على الأعمال التراثية (حرفية / يدوية) التي تمثل اهمية قصوي للاقتصاد المصري وتنمية هذه المشروعات الحرفية التقليدية الصغيرة يفتح الابواب لتشغيل المرأة ‏,‏ ولذا يجب الحفاظ علي هذه الصناعات التقليدية من الاندثار‏.‏ والمطلوب من أصحاب الأعمال والدولة إقامة جمعيات أهلية متخصصة لمساندة المرأة العاملة عن بعد وإتاحة الفرصة أمامها للتدريب والتعليم طبقا لأحدث التقنيات مع الحفاظ علي الهوية المصرية الأصيلة، مع التأكيد على أهمية رعاية الدولة لها نفسيا وماديا واجتماعيا حتي تستطيع الخروج بمنتجات تتميز بالابداع والاصالة‏.‏

4. عمل المرأة عن بعد يساعد المشروعات الكبيرة في بعض الأنشطة التسويقية والتوزيع والصيانة وصناعة قطع الغيار , الأمر الذي يمكن المشروعات الكبيرة من التركيز على الأنشطة الرئيسية وذلك يؤدي إلى تخفيض تكلفة التسويق.

5. يمكن أن يكون العمل عن بعد مصدراً للتجديد والابتكار ومساهمة في خلق كوادر إدارية وفنية يمكنها الانتقال للعمل في المشروعات الكبيرة.

يستخدم العمل عن بعد والصناعات الصغيرة فنوناً إنتاجية بسيطة نسبياً تتميّز بارتفاع كثافة العمل، وهي تعمل على خلق فرص عمل تمتص جزءاً من البطالة وتعمل في ذات الوقت على الحد من الطلب المتزايد على الوظائف الحكومية؛ مما يساعد الدول التي تعانى من وفرة العمل وندرة رأس المال على مواجهة مشكلة البطالة دون تكبّد تكاليف رأسمالية عالية، وتوفر هذه المشروعات فرصاً عديدة للعمل لبعض الفئات، وبصفة خاصة الإناث والشباب فى المناطق الريفية غير المؤهّلين بعد للانضمام إلى المشروعات الكبيرة والقطاع المُنظّم بصفة عامة.

وقد فطنت الدول المتقدمة إلى أهمية العمل عن بعد فقد أصبحت الصناعات الصغيرة اليابانية تستوعب حوالي 84 % من العمالة اليابانية الصناعية وتساهم بحوالي 52% من إجمالي قيمة الإنتاج الصناعي الياباني وفي إيطاليا 2 مليون و300 ألف مشروع فردي صغير..! وفي أمريكا... وفرت الصناعات الصغيرة والمتوسطة بالولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من 1992 وحتى عام 1998أكثر من 15 مليون فرصة عمل، مما خفف من حدة البطالة وآثارها السيئة، وأن المشاريع الصغيرة تستوعب 70% من قوة العمل الأمريكية. وفي دراسة عن دول الاتحاد الأوربي في عام 1998، تبين أن الصناعات الصغيرة والمتوسطة توفر حوالي 70 % من فرص العمل بدول الاتحاد.
أما تقديرات البنك الدولي فتشير إلي أن النساء يشكلن نسبة‏40%‏ من السكان و‏70%‏ من فقراء العالم وأن أكثر من نصفهن عاطلات‏.‏

وبالنسبة لسوق العمل العربي‏,‏ فقد أشار تقرير التنمية في الدول العربية إلي أن ظاهرة البطالة أكثر تأثيرا على النساء إذ ارتفعت نسبتها من‏17%‏ عام‏1977‏ إلى ما يزيد علي‏25%‏ عام‏2002‏ لذلك اتجهت المرأة العربية إلى سوق العمل غير الرسمي لزيادة دخلها بعد أن وجدت أن العمل من داخل المنزل يلبي احتياجاتها الذاتية ويحقق لها مكسبا ماديا ويجعلها تواجه سد متطلبات الحياة الحديثة ويساعدها على التفرغ لرعاية الأبناء وضمان استمرار خصوصيتها‏[4].‏

وعلى الرغم من أن هذا النوع من العمل غير مدرج في حسابات الدخل القومي إلا أن قيمته المادية تجاوز أربعة آلاف تريليون دولار سنويا‏,‏ ووفقا لتقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان فإن هذا العمل يعادل ثلث الاقتصاد في العالم‏.‏

والجدير بالذكر أن هذا النوع من العمل لا يقتصر علي النساء في الدول النامية بل يشمل دولا أوروبية‏,‏ وأمريكا أيضا , فقد أظهرت دراسة دولية أن نحو‏46%‏ من أصحاب الأعمال المنزلية في أمريكا نساء ويفوق دخلهن دخل العاملات في المكاتب بنحو‏28%.‏ وفي ايطاليا تقدم رجال الأعمال في مجال المطاعم بشكاوى للحكومة اثر انتشار المطاعم المنزلية التي أصبحت تهدد أعمالهم وفي كندا تأكد لرجال الاقتصاد أن العمل من المنزل يحقق جدوى اقتصادية فعلية‏.‏ أما في اليابان‏‏ فالشيء الطريف هو أن ربة المنزل تمنح راتبا شهريا وتعد امرأة عاملة من بيتها‏.‏

إن المرأة التي تعمل من منزلها ليست امرأة عاملة بالمفهوم السائد رغم أن ما قد تنجزه وهي في منزلها أكثر مما تنجزه لو أنها حظيت بوظيفة ومكتب ودوام ثابت، والسبب الذي يجعل من عملها من المنزل محل استخفاف وتشكيك أو على الأقل لا يؤخذ مأخذ الجد، هو أنها امرأة تحمل مسؤولية عملها من الألف إلى الياء ولا يوجد لها مرجع أو جهة يمكن أن تحاسبها إذا قصرت أو قررت في لحظة التخلي عن العمل لصالح مزاجها وظروف حياتها، بل يصعب مقاضاتها إذا ما تسبب عملها في إيذاء احدهم دون قصد كأن تعد طعاما فاسدا أو تحمل ماكياجا منتهي الصلاحية![5]

وكلها كما هو واضح أسباب وحيثيات تسخف من طبيعة العمل عن بعد رغم انه في كل أنحاء العالم يعد توجها أساسيا ليس للمرأة فقط ولكن لبعض المهن الرجالية أيضا، ولأن العمل ككل سواء كان عن بعد أو في ميدان العمل لابد أن تنتظمه منظومة واحدة قائمة على معايير العمل المؤسسي السليم فان الدعوة إلى تشجيع العمل عن بعد وعمل ندوات له ودعوة المختصين للحديث عنه لابد أن يواكبه أيضا جهد تنظيمي رسمي يدفع به في الطريق الصحيح وتحصل عبره العاملة على كل حقوق العاملات من تدريب وتأهيل ومساعدة في التسويق قبل كل شيء مساعدة في اختيار المجال، ثم تحظى بعد ذلك بمتابعة وإشراف دقيق يكسب عملها مصداقية ويمنح المستفيدين منه أمانا وثقة، بحيث تصبح هذه الجهة ليس فقط من غرفة التجارة ولكن من وزارة العمل بالأساس بحيث يصبح لدى الوزارة قوائم ولديها خطة إشرافية ومعايير إنتاجية تحاسب اذا قصرت العاملة عن بعد في الوصول إليها، ولديها وسائل مقاضاة ورد مظالم يمكن أن يلجأ إليها اي الطرفين بسهولة وبساطة.

بهذا فقط تكتسب صفة (عاملة عن بعد) الاحترام والتقدير المناسبين لها وتحل بنسبة لا بأس بها مشكلة البطالة بين النساء دون أن تعلو أصوات الرجال احتجاجا على مزاحمة المرأة لهم في ميادين العمل!

أن الدعوة إلى تشجيع العمل عن بعد وعمل ندوات له ودعوة المختصين للحديث عنه لابد أن يواكبه أيضا جهد تنظيمي رسمي يدفع به في الطريق الصحيح وتحصل عبره العاملة على كل حقوق العاملات من تدريب وتأهيل ومساعدة في التسويق قبل كل شيء مساعدة في اختيار المجال، ثم تحظى بعد ذلك بمتابعة وإشراف دقيق يكسب عملها مصداقية ويمنح المستفيدين منه امانا وثقة، لذا فا نني مع هذا الاقتراح قلبا وقالبا، ومع تطويره أيضا .


[1]) عبد الرحمن صالح العشماوي, عمل المرأة والبطالة, الموقع العالمي للإقتصاد الإسلامي, 2008 م.
([2] لطفي عبد اللطيف, «العمل عن بعد»... حل لتوظيف جيوش الخريجات أم هروب من المواجهة!!, مجلة المدينة, الرياض, السعودية, 2010 م.
[3])  صابر أحمد عبد الباقي  " المشروعات الصغيرة وأثرها في القضاء على البطالة ,  كلية الآداب جامعة المنيا .
[4] )  دراسة: عمل المرأة من منزلها يعادل ثلث إنتاج الاقتصاد العالمي‏ , الشبكة العربية للتنمية المجتمعية , ملتقى الشباب العربي .
[5] ) سحر الرملاوي , نحو احترام العمل عن بعد  , جريده الرياض ( 23 شعبان 1428 ) عن مداخلات جلسة (عمل المرأة عن بعد) بملتقى شباب الأعمال 2007م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أهم المشاركات