علاج المشكلات الزوجية من الهدي النبوي
إعداد:
د. أحمد السيد
كردي
خبير تنمية
بشرية وتطوير إداري
ماجستير إدارة أعمال
ماجستير إدارة أعمال
2012 م.
بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ
وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ
أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِي اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا
هَادِيَ لَهُ . وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ
لَهُ ولا ند ولا شبيه له, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَاخْتَصَّهُ
بِرِسَالَتِهِ وَأَكْرَمَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ . وَصَلَّى
اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وصحبه أجمعين.
ولكم في الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة فهو أفضل الخلق وأكرمهم عند المولى سبحانه وتعالى كان خير
الناس لأهله وزوجاته, قال صلى الله عليه وسلم:« خيركم
خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. (رواه الترمذي), وأوصى بحسن المعاشرة
وبالنساء خيرا, وضرب لنا أروع الأمثلة في السعادة الزوجية من حياته وعلاقته
بزوجاته رضي الله عنهن وأرضاهن.
إذ إنها كانت تطبيقا عمليا دقيقا
لقوله تعالى:« وعاشروهن بالمعروف.., وقد
وصى صلى الله عليه وسلم بحسن معاملة الزوجات, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
صلى الله عليه وسلم:« استوصوا بالنساء خيراً؛ فهن خلقن
من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل
أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً. (أخرجه البخاري ومسلم). قال النووي رحمه
الله: فيه الحث على الرفق بالنساء والإحسان إليهن والصبر على عوج أخلاقهن واحتمال
ضعف عقولهن وكراهة طلاقهن بلا سبب وإنه لا مطمع في استقامتهن ".
ووضع صلى الله عليه وسلم لنا القواعد الراسخة والأسس القويمة لبناء علاقات أسرية ناجحة قي المجتمع
المسلم, وبين أن لكل مشكلة في الحياة العلاج في المنهج الإسلامي الرشيد, ومن
بعض ما ورد في ذلك ما يلي:.
1- البائة قبل الزواج:
وقبل الإختيار والتخطيط لبداية
حياة زوجية ناجحة, يجب التنوية إلى أهمية توافر عنصر الإستطاعة والبائة لدى الشباب
المقبل على الزواج والأخذ بالأسباب المادية المشروعة والمعقولة, كما بين ذلك
الحبيب المصطفى عن ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:« يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ
فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ
وِجَاءٌ ". (رواه البخاري). ومعنى وجاء: أي وقاية من الوقوع في الزنا والمعصية والإنغماس وراء شهوات
الفرج, ومن ذلك فإن توافر عنصر الإستطاعة للبائة أولي الخطوات قبل التفكير لبناء
الأسرة والإستعداد للزواج ولو بأقل القليل وليس العدم, حتى لا يظلم المرء نفسه
بتكليفها فوق طاقتها ويظلم من يعول, فعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« كفى بالمرء
إثماً أن يضيع من يعول. (رواه النسائي)
إن موضوع الأخذ بالأسباب والإجتهاد مع التوكل على الله وطلب العون من الحق
سبحانه وتعالى أمر ضروري وهام في الزواج وفي كل نواحي الحياة, وقال صلى الله عليه
وسلم:« ثلاثة حق على الله عونهم, وذكر منهم: والناكح الذي
يريد العفاف "(رواه
الترمذي وحسنه الألباني), لذا فعدم الأخذ بالأسباب والإتكالية معصية لأمر الله ولرسول الله ولا يرضى
به الناس.
ومن الأحكام التي شرعها الله صيانة لعقد النكاح والمرتبطة بتوفر الإستطاعة
المادية عند الزواج, وجوب إعطاء الزوج للزوجة قدرًا من المال، يسمى مهرًا أو
صداقًا، وكأن في هذه التسمية الأخيرة إشعارًا ببعض الحكمة من تشريعه، حيث إن ذلك
يُدل على صدق رغبته في نكاح هذه المرأة بما يقدمه لها, ولم يُخْلِ رسول الله صلى
الله عليه وسلم نكاحًا من صداق، ولو قلّ.
فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال: جاءت امرأة
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! جئت أهَبُ لك نفسي.
فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فَصَعَّد النظر فيها وصَوَّبه [أي رفع
نظره فيها وخفضه ليتأملها]، ثم طأطأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم – رأسه، فلما
رأت المرأةُ أنه لم يقض فيها شيئًا جلسَتْ، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول
الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنيها، فقال:« فهل
عندك من شيء؟ »، فقال: لا والله يا رسول الله!
فقال:« اذهب
إلى أهلك فانظر هل تجدُ شيئًا؟ »، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت
شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« انظر ولو
خاتمًا من حديد! »، فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله، ولا
خاتمًا من حديد!، ولكنْ هذا إزاري - قال سهل: ما له رداء - فلها نصفه! فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما تصنع بإزارك؟ إن
لبِسْتَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسَتْه لم يكن عليك منه شيء».
فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليًا،
فأمر به فدُعِي، فلما جاء قال:« ماذا معك من القرآن؟
»، قال معي سورة كذا وسورة كذا – عَدَّدَها، فقال:« تقرؤهُن
عن ظهر قلبك؟ » [أي غَيبًا من حفظك؟]، قال: نعم، قال: «اذهب فقد ملَّكْتُكَها [أي زوَّجتُكَها] بما معك من القرآن! »، (رواه البخاري ومسلم).
كما أن عدم الزواج مع الباءة والإستطاعة معصية لله ولرسوله, فالزواج سنة للنبي
صلى الله عليه وسلم والمرسلين عليهم
السلام فلا رهبانية في الدين, حيث قال:« ثلاث من سنن
المرسلين النكاح والتعطر وحسن الخلق }, وقال صلى
الله عليه وسلم:« النكاح
سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني أي: ليس على طريقتي }. كما قال صلى الله
عليه وسلم: { تناكحوا تناسلوا تكثروا فإني مباه بكم
الأمم يوم القيامة }.
وقد قال
النبي صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه:«
هلاَّ بكرًا تلاعبها وتلاعبك، وتضاحكها وتضاحكك. [متفق عليه]، وهكذا
يوضح صلى الله عليه وسلم أن الأمر مشترك بين الزوجين.
كما ينبغي عدم تشدد أولي الأمر على المطالب المادية من تجهيزات
الزواج والتحميل فوق الطاقة والذي يترك الأثر السيء لدى الزوجين والأهل ويزيد من
حدة الإختلاف قبل وبعد الزواج وتصبح المشكلة الأساسية من سيفوز بالعفش في النهاية,
قال صلى الله عليه وسلم:« أقلهن مهراً أكثرهن بركة, فسعادة
الزوجين ليست بكثرة الأمتعة والمفروشات والتجهيزات ولا يضمن حق الزوجة ويجعلها
مستقرة ويؤمن مستقبلها في الدنيا والأخرة غير الزوج الصالح الذي إن أحبها
أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها.
2- حسن الإختيار:
فمن أهم وأول المشاكل الزوجية ما
يتعلق بعدم التخطيط والتسرع في الإختيار عند الإستعداد للزواج والتي يترتب
عليها العديد من المشاكل الزوجية في المستقبل, قال صلى الله عليه
وسلم:« تخيروا لنطفكم فإن العرق
دساس, وكذلك سوء التقدير والإختيار وعدم التكافوء والتوافق
الفكري والإلتزام الديني وكذلك الفروق التعليمية والعلمية بين الزوجين.
هناك العديد من المعايير والأسس في إختيار شريك العمر, فعَنِ أَبي هُريرة رضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال:« تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها
وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ "(مُتّفَقٌ عَلَيْهِ), إنه إختيار الزوجة، إنها رفيقة العمر وصاحبة الرحلة الطويلة مع زوجها في
هذه الحياة والتي وجه النبي صلى الله عليه وسلم الشباب لحسن اختيارها حين قال:
" فاظفر بذات الدين تربت يداك" أي إلتصقت بالتراب كناية عن الخير الوفير
بإختيار الزوجة الصالحة.
إن أحسن الرجل هذا الإختيار فإنها التي تسره إذا نظر إليها، وتحفظه في
حضوره وغيبته وترعى ماله وتحسن تربية عياله، إنها حينئذ السكن والمودة والحب
والحنان, فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:« ما
استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل، خيراً له، من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته،
وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله
". (رواه ابن ماجه ).
فحسن إختيار شريك الحياة والفوز بالنصيب الطيب والزواج الصالح هو منة وفضل
من الله ونعمة وغير ذلك فهو إبتلاء من الله ونقمة, قال صلى الله عليه وسلم:« من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله
في الشطر الباقي}(رواه الطبراني).
الدين والأخلاق هو المفتاح, قال صلى الله
عليه وسلم: " إذا جائكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه
إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" ( رواه الترمذي), حيث ركزت التعاليم الإسلامية على الإهتمام بالجانب الديني والخلقي
عند إختيار النسب الطيب والزوج الصالح لبناء مجتمع يسوده التدين والتخلق بالمباديء
والأصول والقواعد الإسلامية, وعلى الوالدين حسن التوجيه والإرشاد وإعانة كلا
الطرفين لما فيه صالح الحياة الزواجية والعمل على كل ما يخدم استمراريتها
ويقوي روابطها حتى بعد الزواج, حيث قال صلى الله عليه وسلم:« من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها). (رواه ابن حبان بسند صحيح)
التكافؤً, ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:« والمسلمون تتكافأ دماؤهم " (سنن أبي داود), وقال أيضا:« تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء
وانكحوا إليهم} (صحيح الجامع), فالكفاءة هي المساواة والتقارب بين الزوج والزوجة في المستوى الديني
والأخلاقي والأجتماعي والمادي ولا ريب أن تكافؤ الزوجين من الأسباب الأساسية في
نجاح الزواج وعدم التكافؤ يُحدث نوعاً من النفرة ويسبب الخلاف والشقاق .
3- التعاون والتشاور بين الزوجين:
الديمقراطية أمر مطلوب في الحياة
الزوجية لكى تسير سفينة الحياة الزوجية بسلام وأمان وتتخطى الأمواج العاتية
والأهوال الخطيرة التى ستواجة الزوجين, لذا فلابد للتعاون والتشاور أن يسود فيما بينهم
وأن لا يستحوذ أحد الطرفين على مجريات الأمور, وهناك أمور أخرى يستحب التعاون فيها
خلاف التعاون في إتخاذ القرار, فينبغي التعاون على طاعة الله في العبادات كقيام
الليل, قال صلى الله عليه وسلم:« رحم الله رجلا قام من
الليل ليصلي ثم أيقظ زوجته فإن أبت نضح في وجهها الماء, ورحم الله إمراءة قامت من
الليل ثم أيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء ", وأيضا صيام
التطوع والتعاون في العمل الخيري وطلب العلم الشرعي وحفظ القرآن, قال تعالى:« وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ".
ومن صور التعاون أيضا في الحياة الزوجية التعاون في القيام بشئون المنزل
الخاصة والتي من مسئولية الزوجة من ترتيب لأغراض المنزل وطبخ للطعام وغسيل
الملابس, فلا ينقص هذا أبدا من شأن الرجل ولسنا أفضل من خير البشر صلى الله عليه
وسلم, فقد سئلت عنه عائشة رضي الله عنها فقالت:« كان
في مهنة أهلة وإذا حضر وقت الصلاة قام فصلى, وكان صلى الله عليه وسلم
يرقع ثوبه ويخيط نعلة بيدة.
وقد ثبت من
هديه صلى الله عليه وسلّم أنّه كان يستشير زوجاته ومن أشهر المواقف عندما إستشار أم
سلمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وقد كانت راجحة العقل نافذة البصر ففي
الجامع الصحيح للإمام البخاري برقم (1566) من حديث المسور بن
مخرمة رضي الله عنه في قصة الحديبية, وفيها قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:«
قوموا فانحروا ثم احلقوا "، قال فو الله ما قام منهم رجل
حتى قال ذلك ثلاث مرات.
فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة رضي الله
عنها فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج لا
تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحَرَ بُدْنَك وتدعو حالِقَك فيحلِقَك، فخرج فلم يكلم
أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا،
وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً" .
وقد أوضح الحسن
البصري ما يؤخذ من هذه الواقعة، من شرعية إستشارة النساء، فقال:
إنْ كان رسول الله لفي غنى عن مشورة أم سلمة، ولكنه أحب أن يقتدي الناس في
ذلك، وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء.
4- خلافات زوجية في حياة النبي:
لا توجد حياة زوجية بدون مشاكل, فلم يخلو بيتا من المشاكل الزوجية, حتى بيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من البشر وخيرهم وأكرمهم عند الله وسيد الخلق وهو
معصوم من الخطأ, وأما زوجاته أمهات المؤمنين فلسن بملائكة ولا معصومات من الخطأ ولكنهم
زوجات خير البرية.
ولولا ذلك ما أنزلت سورة الطلاق وذلك عندما طلق النبي صلى الله عليه وسلم
السيدة حفصة إبنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب, وذلك حتى يتم تشريع أبغض الحلال
عند الله الطلاق القانون السماوي رحمة من عند الله بالعلاقات الزوجية المستحيلة
وبخلاف التشريعات الأخرى التي لم تقر الطلاق, ومن الأحاديث النبوية الدالة على
ذلك, ما حدث لحبيبة زوجة ثابت بن قيس، عندما ضربها فكسر بعضها، فجاءت إلى الرسول
صلى الله عليه وسلم, فقالت: لا أنا ولا ثابت، فقال: أتردين
عليه حديقته، فقالت: نعم، فطلقها.
وما ورد عن كيفية تعامله صلى الله عليه وسلم مع الخلافات الزوجية,
فقد حدث خلاف بين النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها فقال لها: من
ترضين بيني وبينك.. أترضين بعمر؟ قالت: لا أرضي عمر قط "عمر غليظ".
قال أترضين بأبيك بيني وبينك؟ قالت: نعم،
فبعث رسول الله رسولاً إلى أبي بكر فلما جاء قال الرسول: تتكلمين أم أتكلم؟ قالت:
تكلم ولا تقل إلا حقاً، فرفع أبو بكر يده فلطم أنفها، فولت عائشة هاربة منه واحتمت
بظهر النبي، حتى قال له رسول الله: أقسمت عليك لما خرجت بأن لم ندعك لهذا.
فلما خرج قامت عائشة فقال لها الرسول: ادني مني؛ فأبت؛ فتبسم وقال: لقد
كنت من قبل شديدة اللزوق (اللصوق) بظهري – إيماءة إلى إحتمائها بظهره خوفًا من
ضرب أبيها لها، ولما عاد أبو بكر ووجدهما يضحكان, قال: أشركاني في سلامكما،
كما أشركتماني في دربكما".
ولم تسلم أيضا بيوت الصحابة رضوان الله عليهم وكذلك الخلفاء الراشدين
والسلف الصالح والتابعين من المشاكل والخلافات الزوجية فهناك العديد من القصص
والمواقف لصور من تلك المشاكل والخلافات كل منها بمثابة قاعدة وقانون للأسرة في كل
زمان ومكان.
5- سوء إستغلال مفهوم القوامة:
من المشاكل الزوجية فبعض الرجال
يراها تحكما واستعبادا وانتقاصا من حرية المرأة وانتهاكا لكرامتها فيتعسف في استخدامها, إن القوامة فى مفهومها الصحيح هى قيادة حكيمة ورعاية مسئولة, قال صلى الله
عليه وسلم:« اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم،
أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن
بالمعروف ". (رواه مسلم).
وقد وضع الحق سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في سورة النساء قانونا هاما
في علاج المشاكل الزوجية وحل لقضايا الأسرة, فقال تعالى:« الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما
أنفقوا من أموالهم", الآية نزلت في سعد بن الربيع وكان من
النقباء إمرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، وذلك أنها نشزت عليه فلطمها، فانطلق
أبوها معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم [ فقال: أفرشته كريمتي فلطمها ،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لتقتص من زوجها
"، فانصرفت مع أبيها ] لتقتص منه فجاء جبريل عليه السلام [ فقال
النبي صلى الله عليه وسلم: إرجعوا هذا جبريل أتاني
بشيء "، فأنزل الله هذه الآية ]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أردنا أمرا وأراد الله أمرا، والذي أراد الله خير
".
فالشرع جعل
الضرب للزوجات المرحلة الأخيرة في التأديب بشرط أن لا يكون ضربا مبرحا أو في
الوجه, فعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال: نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
عن الضَّرْبِ في الْوَجْهِ . (رواه مسلم).
6- الحياة الزوجية حقوق وواجبات:
ينبغي على كل من يبحث عن السعادة الحقيقية والنجاح في الحياة الزوجية
من الزوج والزوجة أن يعلم الحقوق الواجبة عليه ويؤديها إبتغاء مرضات الله في بناء
أسرة مسلمة تقوم على روح الحب والمودة والرحمة, فكل منهما له حقوق وعليه واجبات وكلاهما
راع في بيته وأسرته في الحياة الدنيا ليصل بهم لبر السلامة والأمان, ومسئول
عن رعيته يوم القيامة كما بين ذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالرجل راع لأهله ومسئول عن
رعيته, والمرأة راعية في ربيتها ومسئولة عن رعيتها ", فالزواج
مسئولية بين زوجين لكل منهما مسئوليات محددة, وينبغي على الأزواج أن يبدوا قدراً
من المسئولية والمرونة إزاء ذلك, وقال أيضا:« كفى
بالمرء إثما أن يضيع من يعول ", ولا تقوم المشاكل والخلافات
الزوجية إلا بإهتمام كل فرد من الزوجين بحقوقة والإصرار عليها وإهمال واجباته
والتغافل عنها والتقصير فيها.
وفي حديث معاوية
بن حيدة رضي الله عنه بيانا لبعض حقوق الزوجة على الزوج وأهمها المطعم والملبس
وحسن المعاملة كل حسب مقدرته المادية, حيث قال: قلت: يارسول الله، ما حق زوجة
أحدنا علينا ؟ قال:« أن
تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تضرب ",
أي: لا تضرب الوجه.
(رواه
أبوداود)
7- مدرسـة
الحب النبوي:
فلنا في
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في علاقاته وحبه لزوجاته, من
علامات حبه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها, كان يراها تشرب من الكأس فيحرص كل الحرص على أن يشرب من الجهة التي شربت منها, وكان ينام في
حجرها وهي حائض ولا يتأفف منها, وأخبر أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر
الطعام, وهي التي كانت تغار عليه حبا.
وأثناء مرضه صلى الله عليه وسلم الأخير، حين إقترب ساعة اللقاء بربه وتفيض روحه
إلى الرفيق الأعلى، لا يجد نفسه إلا طالباً من زوجاته أن يمكث ساعة إحتضاره إلا في
بيت عائشة، ليموت بين سحرها ونحرها، كما في الحديث عن عائشة قالت: إن كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول أين
أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ إستبطاء ليوم عائشة، قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري", ذاك
حب أسمى وأعظم من أن تصفه الكلمات أو تجيش به المشاعر.
ومهم جدا المجاهرة بالحب والإعتراف به بين الزوجين وأمام الأخرين, حيث نجد
رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع, فعن عمرو بن
العاص أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك ؟, قال:
عائشة، فقلت من الرجال؟ قال: أبوها".
(رواه البخاري).
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم:« لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مؤمنة إن كَرِهَ
منها خُلُقًا رضي منها آخَرَ ",(رواه مسلم). قال الحافظ النووي رحمه
الله تعالى: أي ينبغي أن لا يبغضها لأنه إن وجد فيها خُلقا يُكره وجد فيها خُلقا
مرضيا بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك ".
8- الصبر
سلاح الحياة الزوجية:
ومن أجمل
قصص الصبر على قضاء الله والرضا بقدره في الحياة الزوجية من رياض
الصالحين, عن أنس قال: اشتكى ابن لأبي طلحة (أي: مرض) فمات،
وأبوطلحة خارج البيت، ولم يعلم بموته، فلما رأت امرأته أنه قد مات، هيَّأتْ شيئًا
ونَحَّتْهُ (أبعدته) في جانب البيت، فلما جاء أبوطلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: هو
أهدأ مما كان، وأرجو أن يكون قد استراح.
فظن أبو
طلحة أنه شفي، ثم قربتْ له العشاء، ووطَّأت له الفراش فجامعها، فلما أصبح اغتسل،
فلما أراد أن يخرج أعلمتْه بموت الغلام، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم
أخبره بما كان منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:« لعله أن يبارك الله لكما في ليلتكما). فرزقهما
الله ولدًا، وجاء من ذريته تسعة أولاد، كلهم قَرَءُوا القرآن وحفظوه. [رواه البخاري].
9- مشكلة غياب التفاهم بين الزوجين:
ومن المشاكل العائلية سوء فهم
كل من الزوجين لطباع الآخر والإختلاف الدائم في الرأي, فالحياة الزوجية مبنية قائمة
على المودة والرحمة, والإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية, والتوافق لا يتطلب أن يتشابه الزوجين أو يتطابقا, ولكنه يتطلب قدرة كل طرف
على تلبية احتياجات الآخر واشباعها على الرغم من اختلافهما, فهما متكاملين أكثر
منهما متشابهين, قال صلى الله عليه وسلم:« الأراح جند
مجندة ما تعارف منها إئتلف وما تنافر منها إختلف " فالبشر ليسوا
سواسية في الطباع والشخصيات ولكن هناك طباع وشخصيات متقاربة ومتفاهمة ولهم
إهتمامات مشتركة ويمكن أن ينسجموا مع بعضهم البعض.
كان صلى
الله عليه وسلم في التعامل مع زوجاته المثل الأعلى, فقد كان يفهم مشاعرهم وأحاسيسهم,
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لزوجته عائشة أم المؤمنين رضي الله
عنها:« إنى لأعلم إذا كنت عني راضية
وإذا كنت عنى غضبى, أما إذا كنت عنى راضية فإنك تقولين لا ورب محمد, وإذا كنت عني
غضبى قلتي: لا ورب إبراهيم. (رواه مسلم)
10-
الخيانة الزوجية:
لقد شدد الإسلام في العقوبة على من يرتكب الفاحشة وهو متزوج وجعل عقاب المحصن
الذي ثبتت عليه تهمة الزنا الرجم حتى الموت, ومما لا شك فيه أن
الدافع الديني له دور كبير جداً في الوقاية من الفتنة والوقوع فيما يغضب الله, وعندما جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الزنا, منعته ليس فقط بمعناه المباشر
بل حرمت طرقه والسبل التي تؤدي إليه, وذلك من باب سد الذرائع كالخلوة بالمرأة
الأجنبية، والنظرة غير المشروعة لغير الحاجة وكذلك حرمت كشف العورات لأنها جميعها
سبيل للزنا, فعندما نريد معالجة الخيانة ينبغي أن نعالجها في أول مظاهرها ومن أصغر
أشكالها، وليس بعد أن يستفحل الأمر ويصل إلى حده الأقصى وهو الزنا.
كما وأنه شدد الإسلام على مبدأ حفظ العرض فقال صلى الله عليه وسلم في خطبة
الوداع: ( أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقاً، ولهنّ
عليكم حقاً، لكم عليهن أن لا يُوطئّن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين
بفاحشة مبيّنة )، كما وأنه اعتبر من المحافظة على العرض، عدم وضع
الثياب في غير بيت الزوج، فقد روى عن أبي مليح الهذلي أن نساء من أهل حمص
أو من أهل الشام دخلن على عائشة فقالت: "أنتن اللاتي يدخلن نساؤكن
الحمامات"، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلاّ هتكت الستر بينها
وبين ربها ) .
وللمبالغة في الحفاظ على الأعراض حذَّر صلى الله عليه وسلم من الدخول على
النساء إلاّ إذا كنَّ محرمات أو مع ذو محرم، وخصوصاً تلك التي غاب عنها زوجها،
وحتى إن كان الداخل قريباً, فقد روي عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: ( إياكم والدخول على النساء,
فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ ، قال: ( الحمو الموت ).
وليحرص كلا الزوجين على إعفاف الطرف الآخر بكل وسيلة مشروعة, حتى وإن كانت
رغبة الزوج وشهوته غير مولعة بزوجته في وقت معين، وهي في حاجة إليه فعليه تلبية
رغبتها، بل إذا انعدمت لديه الشهوة ينبغي عليه إعفاف زوجته، عَنْ أَبِي ذَرٍّ
، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فِي بِضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ " قَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا أَهْلَهُ فَيَكُونُ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ ؟
قَالَ: " أَرَأَيْتَ إِنْ وَضَعَهَا فِي
الْحَرَامِ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ فِيهَا
أَجْرٌ " .
11- مشـكلة الغيـرة:
وبالنسبة
لموضوع الغيرة فمنها المحمود ومنها المذموم, فالمحمود منها من علامات الحب, فالغيرة
غريزة طبيعية من غرائز المرأة التي جبلت عليها، وهذا شيء لم تسلم منه أية إمرأة
مهما بلغت من الدين والتقوى، ولو سلمت إمرأة من هذا لكان أولى بذلك أمهات المؤمنين
الطاهرات, فعن عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا قالت: فغرت عليه فجاء
فرأى ما أصنع فقال: ما لك يا عائشة أغرت فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك فقال: رسول الله صلى الله عليه
وسلم أقد جاءك شيطانك قالت يا رسول الله أو معي شيطان قال نعم قلت ومع كل
إنسان قال نعم قلت ومعك يا رسول الله قال نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم. (صحيح مسلم
بشرح النووي)
فالمرأة
إذا ضعفت ثقتها في زوجها، تبادر إلى ذهنها أن في حياته امرأة أخرى، فتقيس كل
تصرفاته وإنفعالاته وفق نظرتها، وتتحول حياتها إلى جحيم! وإذا فقد الزوج الثقة في
زوجته، أحال حياتها إلى عذاب وحياته أيضاً.. إنه يراقبها في كل وقت، ويفتش في
أحوالها وخصوصياتها، وربما يفاجئها في أوقات لا تعتادها منه، فلعله يجد ما يدعم به
شكه وما يبرر تصرفاته معها، وبذلك تنهار الأسرة، والسبب هو فقدان الثقة بين الزوجين,
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله
ليلاً وأن يخونهم، أو يلتمس عثراتهم. (رواه مسلم)
12- مشـكلة نشوز الزوجة:
ومن أخطر المشاكل نشوز المرأة وخروجها عن طاعة الزوج بدون سبب ولا
عذر شرعي وكفرانها العشير, وإعلانها العصيان والتمرد على الزوج, فعن أبي سعيد
الخدري قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى
فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن
أكثر أهل النار فقلن وبم يا رسول الله قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير
ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن قلن وما نقصان
ديننا وعقلنا يا رسول الله قال أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قلن بلى قال
فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن بلى قال فذلك من نقصان
دينها " (رواه البخاري).
وبين
الإسلام للمرأة أن حق الزوج الشرعي مقدم على حق الله فلا تنشغل عنه بعمل أو عبادة,
فعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة لا تؤدي حق الله عليها حتى تؤدي حق زوجها حتى لو سألها
وهي على ظهر قتب لم تمنعه نفسها.(رواه الطبراني في
الكبير)
عن أَبي
هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا
دَعَا الرّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ
عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتّى تُصْبِحَ".(سنن أبى
داود كتاب النكاح)
فالمرأة الناكرة للمعروف المضيعة للعشرة حري أن يسلب الله عز وجل نعمتها, ولتتذكر
تلك الزوجة قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ولا
ينظر الله إلى إمرأة لا تشكر زوجها ولا هي تستغني عنه ". (رواه النسائي)
والحل لهذه المشكلة في طاعة الزوجة لزوجها إبتغاء مرضات الله في كل مايرضي
الله وليس في المعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, فطاعة الزوج من
طاعة الله ورضى الزوج من رضا الله, قال صلى الله عليه وسلم: المرأة إذا أطاعت زوجها وصلت فرضها وصامت شهرها وأدت حق ربها
قيل لها أدخلي من أي أبواب الجنة شئت ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو كنت امراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد
لزوجها".(رواه الترمذي), وينبغي أن تؤدى الطاعة بكل حب ليس بإعتبار ذلك ضعفا وإستكانه بل هو الود
والتكامل والوصال.
13- مشـكلة العنف والضرب:
عندما يجعل
الزوج الضرب متنفسًا للمشاعر السلبية والغضب والإنفعال، فهو يجمع بذلك بين الألم
النفسي والجسدي للزوجه ويؤثر على علاقتهما الجنسية، وهو الذي نهى عنه الرسول صلى
الله عليه وسلم, فقال: "لا يجلد أحدكم زوجته جلد
البعير، ثم يجامعها آخر اليوم" [رواه البخاري]. وهنا
تحدث الجفوة النفسية والبعد فيما بينهما، والتي تكون سببًا مباشرًا للتباعد بين
الزوجين، وإن جمعهما سقف واحد وفراش واحد، وحتى لو أدى كل منهما حقوقه وواجباته.
وفي لحظة حدوث المشكلة تجد أن ما يزيد في لهيب الصراع وحدة النزاع وتطوره
السب والشتم واللعن والغضب والإنفعال, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس المؤمن بالطعان، ولا بالعان، ولا بالفاحش، ولا بالبذيء.
(صححه الألباني). فليمسك الإنسان العاقل القوي لسانه، فاللعن والسب والشتم هو متنفس
العاجزين، وبوابة إشعال فتيل المشاكل في البيوت.
14- مشـكلة خروج أسرار المنزل الخاصة:
الأسرار الخاصة والمشاكل الزوجية لابد أن تكون بين الزوجين في طي الكتمان،
وإذا أشيعت فاللوم لا يقع إلا على الزوجين، وإن كان ولابد من طرف ثالث ليحتوي
المشكلة بين الزوجين ويحلها، فلابد أن يكون شخصا كتوما، مشهودا له بالتقوى
والصلاح، حتى لا تتعقد الأمور وتتطور المشكلة, والمصطفى صلى الله عليه وسلم قال:
" إستعينوا على قضاء حوائجكم في السر والكتمان ".
والإسلام نهى عن إفشاء الأسرار الزوجية، فنبينا الكريم شبه الزوجين اللذين
يتحدثان عن أسرار الفراش كمثل شيطان وشيطانة تلاقيا في طريق ما، فجامعها بمرأى من
الناس، فعن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلي الله عليه وسلم
والرجال والنساء قعود عنده فقال: "لعل رجلا يقول
ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها"، فأرم
القوم- يعني سكتوا ولم يجيبوا- فقلت: أي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون
وإنهن ليفعلن, قال: "فلا تفعلوا، فإنما
مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون" (ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد).
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن من أشر
الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر
سرها ", وكما قيل في الأمثال الشعبية: " الراجل وزوجته مثل القبر وصاحبه " كناية عن
السرية التامة, وأنه لا يوجد أحد منا يعلم ما يحدث لسكان القبور حتى أقرب
الأقربين, ولا يعلم حالهم إلا الله, وكذلك ينبغي أن يكون الحال بالنسبة للحياة
الزوجية والعلاقات الأسرية فالبيوت أسرار.
15- مشـكلة الزواج المفروض:
وهو أخطر حالات الزواج على الإطلاق
ومشكلاته لا تنتهي وهو مرفوض شرعا، حيث يقوم الوالدان بناءا على رغبتهم الخاصة
ومصلحتهم الشخصية بتزويج الأبناء دون اعتبار لرغباتهم باستخدام أساليب الضغط
المختلفة.
وجاءت
النصوص النبوية تؤكد للمرأة الحق في مشورتها قبل الزواج, فقال عليه الصلاة
والسلام: "لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الأيم
حتى تستأمر" (متفق عليه)، وقال: "والبكر يستأذنها أبوها" (رواه مسلم). ولكن ينبغي أن يلاحظ
أن المرأة لا يجوز لها تزويج نفسها، بل لابد من أن يتولى عقد المرأة وليها وهو
والدها، وإن لم يوجد فأقرب رجل من العصب, لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي" (رواه أحمد وأبو داود)
16- مشـكلة البخل:
فالبخل والشح من السلوكيات السيئة التي يبغضها الإسلام ولا يقبلها المجتمع,
قال صلى الله عليه وسلم: اللهم أعطي كل منفقا خلفا
واعطي كل ممسكا تلفا ", وما ذكر عن الشح والبخل في الحياة
الزوجية في العهد النبوي, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أَنَّ هِنْدَ أُمَّ
مُعَاوِيَةَ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَقَالَتْ : إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لا يُعْطِينِي مَا
يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ سِرًّا وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهَلْ
عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ
بِالْمَعْرُوفِ ".
17- مشـكلة الغضب والإنفعال:
مشكلة الغضب والإنفعال نتيجة
لمشكلة أو خلاف أخر ويكون عبارة عن رد فعل سريع لحدوث هذه المشكلة وهناك بعض الشخصيات
سريعة الغضب والإنفعال من أي مثيرات خارجية بسبب الضغوط والتراكمات النفسية التي
تسببها المشكلات المختلفة, فكم من بيوت تم بناؤها أعوام طويلة هدمت بسبب دقائق من
الغضب وتدخل الشيطان لإشعال نار ولهيب الغضب, وحل هذه المشكلة في الإلتزام بقوله
صلى الله عليه وسلم عندما سئله أعرابي فقال له: أوصني يا رسول الله ؟, فقال له: لا تغضب ", وقال صلى الله عليه وسلم: ليس الشديد بالصرع ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ",
وكان صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الإسلام, وكان إذا غضبت زوجته يضع يده على كتفـها ويقول: اللهم
اغفر لها ذنبها وأذهب غيظ قلبها، وأعذها من الفتن.
وقال صلى الله عليه وسلم: {نساؤكم من أهل الجنة
الودود الولود العؤود على زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول
لا أذوق غُمضاً حتى ترضى}[رواه النسائي
حديث حسن].
18- الحلال والحرام في الجماع:
لقد أباح الشرع للرجل ممارسة حقه الشرعي في الجماع مع زوجته متى شاء, ولكن
هناك البعض يقعون في هذه المعصية أو يتحايلون على الشرع ويمارسون مع زوجاتهم هذه
العلاقات الشاذه المحرمة, قال صلى الله عليه وسلم: ( من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد برئ مما أنزل على محمد صلى
الله عليه وسلم ). (صحيح الترغيب) وقوله صلى الله عليه
وسلم: ملعون من أتى امرأته في دبرها. (رواه
الترمذي). ومن فعل ذلك فقد أخطأ
وعصى، وكفارته أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، فيستغفر من ذنبه ويندم عليه
ويعزم ألا يعود إليه أبداً.
19- خطر
العين والسحر على الزوجين:
الحقد والحسد لكل فرد حياته
الزوجية ناجحة, وخاصا إن كان هذا الحقد أو الحسد من الأقربين أو الأصدقاء
المقربين, كما يرتبط بهذه المشكلة وبناءا على الإضرار بالعلاقات الزوجية الناجحة
إستخدام السحر والربط في التفرقة بين الزوجين من أصحاب النفوس الضعيفة, لما
في قلوبهم من الغل والحقد والكراهية لأشخاص يريدون النيل منهم والإنتقام منهم
بإستخدام العرافين والدجالين والمشعوذين وقد قال صلى الله عليه وسلم: من ذهب إلى عراف لا تقبل صلاته لمدة أربعون يوما "
وقال أيضا: من ذهب إلى عراف وصدقه فقد كفر بما أنزل
على محمد "
ومن أعراض سحر التفريق بين الزوجين رؤية الزوج أو الزوجة في منظر قبيح وفي
منظر رجل هرم أو إمرأة عجوز, وتكثر مشكلة السحر والربط وتكتشف في ليلة الزفاف, وهي
مشكلة مشهورة وشائعة بين العوام, حيث يتم ربط الزوج ولا يستطيع الدخول على زوجته,
ويستمر هذا الوضع حتى تفك العقدة والربط بالقرآن والأذكار والأدعية النبوية
المأثورة.
أرشدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى العديد من النصائح لأقوال
وأفعال أهمها أذكار الصباح والمساء التي تحصن المسلم من شر العين والشيطان, ومن
هذه الأذكار قوله صلى الله عليه وسلم:« أعوذ بكلمات
الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " وقوله أيضا: أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وشر عباده ومن همزات
الشياطين وأن يحضرون ".
وكذلك من الوسائل الوقائية من خطر العين على الزوجين إلتزام السرية للحيطة
والحذر في شئونهم الخاصة, لقوله صلى الله عليه وسلم:« إستعينوا
على قضاء حوائجكم في السر والكتمان ".
20- مشـكلة
مكائد الشيطان:
من الأسباب الهامة وراء حدوث المشاكل والخلافات الزوجية, فالشيطان ينتهز أي
فرصة لتهويل الموقف وتطوير الخلاف لتفاقم حدة النزاع والصراع وذلك للتفرقة بين الزوجين,
فأفضل الشياطين لدى أبليس والذي يقربه منه ويدنيه من مجلسه هو من يستطيع أن يفرق
بين الرجل وزوجته,
كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:
إن الشيطان ليضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة
أعظمهم فتنة, يجيء أحدهم فيقول: ما زلت بفلان حتى تركته يقول كذا وكذا، فيقول
ابليس: لا والله ما صنعت شيئاً! ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه
وبين أهله، قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول: نعم أنت" «صحيح مسلم»,
وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه
وآله وسلم, ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه, وانتفخت أوداجه, فقال النبي صلى الله
عليه وآله وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما
يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد, فقالوا له: إن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال: تعوذ بالله من الشيطان. (رواه البخاري).
وختـاما
فليس عيبا أبدا أن يخطيء المرء فالخطأ وارد وهو من طبيعة البشر فنحن لسنا
بمعصومين من الخطأ فالكمال لله وحده والعصمة للمرسلين فقط, ولكن العيب كل العيب
ولا يصح أن يتكرر الخطأ ويتمادى فيه ولا يتعلم من الخطأ التفادى من الوقوع في نفس المشكلة,
فلا يلدغ مؤمن من جحر مرتين, وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: « كل بني آدم خطاء وخير الخطائين
التوابون " (رواه الترمذي).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق