يتجه الكثير من علماء الاجتماع إلى وصف العمليات الاجتماعية في إطار الاتجاه نحو تشكيل المؤسسات "Institution" أو (المؤسساتية Institutionalization) التي تقوم بالوظائف الاجتماعية في المجتمع. والمؤسسات هي تنظيم يقوم بوظيفة اجتماعية، وهي بناءات لنشر الأفكار العامة، وامتداد للحاجات الإنسانية، وهي عمل جماعي للأفراد في المجتمع.
ومهما اختلفت النظم فهي تنظيم اجتماعي يحول الفردية ويصهرها في إناء عام، ويقوم على الأهداف الاجتماعية بالدرجة الأولى وليس على الأهداف الفردية.
ومهما اختلفت النظم فهي تنظيم اجتماعي يحول الفردية ويصهرها في إناء عام، ويقوم على الأهداف الاجتماعية بالدرجة الأولى وليس على الأهداف الفردية.
والمفهوم المؤسسي يطرح العديد من المفاهيم حول الهدف من قيام المؤسسة، والتنظيم الداخلي للعاملين الذين يقومون بتحقيق هذا الهدف، واتجاه السيطرة والضبط، والعلاقات الداخلية وتقسيم العمل وكل ما يؤثّر داخلياً على المنتج النهائي. ويطرح أيضاً العديد من المفاهيم حول العلاقات مع المؤسّسات الأخرى التي تعمل في مجالها، والمؤسسات الاجتماعية التي تشكل بناء النظام الاجتماعي والقوى المؤثرة في المجتمع، وبصفة خاصة علاقات التأثير التي تنعكس على صياغة السياسات وانجاز الأهداف بالإضافة إلى المفاهيم الخاصة بالعلاقات مع جمهور المستهلكين أو العلماء أو المستفيدين من الخدمة أو المنتج التي تنتجها المؤسسة.
وهذا ما يثير العديد من القضايا والتساؤلات الخاصة بالتعاون أو الصراع، والسيطرة والضبط، والاستقلال والتبعية، والفرد أو المجتمع، والتي تظهر واضحة في التفسيرات الخاصة بحركة هذه المؤسسات واتجاهاتها نحو المؤسسات أو النظم التي تتعامل معها.
أ. مطلب إجتماعي وإقتصادي:
إنَّ قيام المؤسسة مطلب اجتماعي يتطلب بداية توفير الفكرة العامة أو المبدأ المؤسسي Institutional Concept أو الهدف الذي يقوم من أجله بناء المؤسسة ويشمل الفكرة، العقيدة أو الاهتمام أو الفلسفة الكامنة وراء عملية قيام المؤسسة. ثم يأتي بعد ذلك البناء Structure وهو مجموع الوسائل المادية فقط مثل المباني والآلات، ولكن يمتد إلى القوى البشرية، وهي مجموع الأفراد الذين يتعاونون في سبيل إنجاز الأهداف. توافق كل من البناء والتنظيم مع الفكرة العامة يطلق عليه التوافق الوظيفي للمؤسسة أو التوافق المؤسسي Institutional Equilibrium والذي يعتمد عليه نجاح المؤسسات في تأكيد دورها في المجتمع.
وفي هذا الإطار يمكن تحديد الاتجاه نحو الوصف الاجتماعي لوسائل الإعلام التي ينطبق عليها المفهوم المؤسسي بكل أبعاده. فهي الأداة الرئيسية لعملية الإعلام بكل خطواتها، بدءاً من اختيار الفكرة وصياغتها في رسالة ذات محتوى وشكل معين إلى أن تصل إلى جمهور المتلقين لتحقيق وظائف أو غايات معينة ذات علاقة بالفرد والمجتمع.
فمن الناحية التاريخية اختفى الطابع الناشر الذي كان يصدر الصحيفة في الأوقات التي تخلو فيها المطبعة من المهام التجارية. أو المذيع المالك لجهاز الإرسال المحدود القدرة أو الشركة المحدودة للإذاعة التي كانت تعتمد على رسوم معينة نظير تقديم الخدمة الإذاعية.
ومن الناحية الاقتصادية أدى اعتماد وسائل الإعلام على التكنولوجيا المتطورة إلى النظر إليها كصناعة، فوسائل الإعلام هي بناءات صناعية لإنتاج المحتوى مهما كان المالك أو المستثمر. وهذا ما يتطلب مقومات البناء المؤسسي الذي يقوم بانجاز الأعمال لتحقق أهداف المؤسسة، خاصة بعد أن أصبح الآن قالب الشركات الكبرى والسلاسل الضخمة هو الإطار القانوني والرسمي الذي يسهم في صياغة المؤسسات الإعلام والاتصالية وقيامها. وأصبح قيامها هذا يتطلب رؤوس أموال ضخمة، يتم استثمارها لتحقيق الهدف من قيام هذه المؤسسات سواء كان الهدف هو تحقيق الربح أو القيام بالخدمة العامة.
ويحمل تنظيم وسائل الإعلام والاتصال نفس خصائص تنظيم الصناعات كبيرة الحجم من حيث البناء الهرمي الداخلي للعمل، وتباين الأدوار، والأهداف المقبولة والواضحة المحددة التي تترجم إلى سياسات معينة وممارسات تنظيمية، وخطوط الاتصال التي تتبع البناء الهرمي، وعلاقات الزملاء والعلاقة بالرؤساء والمرؤوسين والتي تنظم التفاعل بين مختلف الأدوار ويؤكد على البناء التنظيمي وأنماط السلوك التي تتأثر بهذا البناء، وذلك إلى جانب العوامل التنظيمية الخارجية التي تؤثر على هذا التنظيم مثل المساهمين، العملاء، المصادر... إلى آخره.
وهذا يعني أنها اكتسبت شكلاً ثابتاً من حيث البناء والوظائف ذات العلاقة بتوقعات الجمهور. وهنا نضع في اعتبارنا الخصائص العامة للمؤسسة الإعلام والاتصالية التي تتشكل بداية بواسطة المجتمع، وعملية الإعلام والاتصال والجمهور، ولذلك فإنه رغم ما يظهر من تباين بين مختلف الوسائل، والمجتمعات، وبين الأنواع المختلفة للنظم الاجتماعية، فإن هناك تشابهاً يمكن تعميمه، فهي مؤسسة اجتماعية تقوم بالأنشطة الثقافية وانتاج المعلومات التي ينفذها العاملون فيها حسب أدوارهم، وفي إطار النظم لتوجه مباشرة إلى الجمهور.
ب. خصائص المؤسسة الإعلامية:
ويحدد دينيس ماكويل المعالم العامة للمؤسسة الإعلامية فيما يلي:
- أنها تهتم أساساً بإنتاج وتوزيع المعرفة في شكل معلومات وأفكار وثقافة، وذلك تلبية للحاجات الاجتماعية التي تشكل في مجموعها حاجات الأفراد Collective Social Needs.
- تقدم القنوات الاتصالية الناس بعضهم إلى بعض، مرسل إلى مستقبل، أعضاء الجمهور إلى آخرين منهم، أي فرد إلى المجتمع ومؤسساته. وهي ليست قنوات عضوية للشبكات الاتصالية فقط ولكنها قنوات للفهم والعادات، تحدد ما يجب، وما يفضل تقديمه لمن.
- تعمل في المجال العام حيث ترتبط بالأحداث التي يعيشها الرأي العام.
- مشاركة الجمهور في المؤسسات الإعلامية، كأعضاء في النظام، ليست إلزامية خلاف غيرها من المؤسسات الأخرى مثل التعليمية أو الدينية أو السياسية، والعلاقة لا تمثل ممارسة للقوة أو النفوذ.
وفي مجال علاقة المؤسسة الإعلامية والاتصالية بالمجتمع يرى دينيس ماكويل أنه يمكن ألا تكون سلطة المجتمع أكثر من كونها حلقة في التنظيم بين منتجي الرسائل (في أعلى) والجمهور (في أسفل). ولكنها ترتبط بالسوق والصناعة من خلال اعتمادها على التكنولوجيا وحاجتها إلى التمويل، وعلى الرغم من أنها في ذاتها بدون قوة، إلّا أنها ترتبط بشكل متباين بقوة الدولة من خلال آلية التشريعات والأفكار الشرعية التي تختلف من دولة إلى أخرى.
وبهذه الصياغة التي نلاحظها، حتّى في الدول الصغيرة، أصبحت المؤسسات الإعلامية والاتصالية في الوظائف الكلية، أو العلاقات فيما بينها (التعاون أو التنافس) أو العلاقات مع الأجهزة والنظم الاجتماعية الأخرى، أو العلاقات مع الجمهور، أصبحت في هذا الإطار نظماً اجتماعية Social Systems تتفاعل عناصرها من أجل تحقيق الأهداف وإنجازها، مهما كانت هذه الأهداف أو توجهاتها.
وأصبحت دراسة المؤسسات الإعلام والاتصالية بالتالي – تتطلب تناول كل هذه الجوانب من خلال المداخل المتعددة التي ترسمها النماذج أو النظريات الخاصة بالبناء التنظيمي لهذه الوسائل، وعلاقاتها بالمؤسسات أو النظم الاجتماعية الأخرى، أو القوى المسيطرة في المجتمع وتأثيراتها على صياغة السياسات وإنجاز الأهداف.
ومن خلال المفهوم المؤسسي، ثار الجدل حول دور هذه المؤسسات في المجتمع واتجاهات العلاقة مع المؤسسات الاجتماعية الأخرى، وتحديد استقلالها أو تبعيتها في تحديد أهدافها وإنجاز أعمالها.
وهذا الجدل العلمي يمكن رده إلى عدد من النظريات الاجتماعية ونتائجها على استقرار المجتمع وحركة التغير فيه. ولعل أهم هذه النظريات هي النظرية البنائية الوظيفية والأخرى هي الصراع الاجتماعي.
أ. مسلمات النظرية البنائية:
تقوم هذه النظرية على أن تنظيم المجتمع وبناءه هو ضمان استقراره، وذلك نظراً لتوزيع الوظائف بين عناصر هذا التنظيم بشكل متوازن، يحقق الاعتماد المتبادل بين هذه العناصر.
فالبنائية تُشير إلى تحديد عناصر التنظيم والعلاقات التي تقوم بين هذه العناصر. والوظيفية تحدد الأدوار التي يقوم بها كل عنصر في علاقته بالتنظيم الكل، وهو مدى مساهمة العنصر في النشاط الاجتماعي الكلي. ويتحقق الثبات والاتزان من خلال توزيع الأدوار على العناصر، في شكل متكامل وثابت.
والتنظيم في رأي هذه النظرية هو غاية كل بناء في المجتمع، حتى يحافظ هذا البناء على استقراره وتوازنه. ولا يسمح التنظيم بوجود أي خلل في هذا البناء سواء من حيث العلاقات أو الوظائف، يؤثّر على التوازن والاستقرار.
ويتفق الباحثون على عدد من المسلمات الخاصة بهذه النظرية وهي:
ت. النموذج التطوّري:
ويعتبر النموذج التطوّري Evolutionary Paradigm تفسيراً لحالة التغير التي تحدث في المجتمع حيث أن الاستقرار والتوازن ليس هو الصورة الدائمة التي يلاحظها المراقبون لكل المجتمعات. فالمجتمعات كلها تشهد تغيراً وتطوّراً بفضل القوانين الثابتة للتطوّر الاجتماعي التي تقود المجتمع نحو الأفضل، مثلها مثل الكائن العضوي. أي أن الأساس في النموذج التطوّري هو عدم التدخل لإحداث التغيير، وأن يترك ذلك لآليات التغيّر الاجتماعي التي تعمل بتأثير نشاط الأفراد واختراعاتهم والبحث عن الوسائل الجديدة، سواء داخل المجتمع أو خارجه التي تؤدّي إلى تحقيق الأهداف الاجتماعية نحو التطور إلى الأفضل.
وإذا كان النموذج التطوري يقدم تفسيراً لتطور وسائل الإعلام وتقنياتها من الناحية التاريخية، فإنّه يقدم أيضاً تفسيراً لحركة التغيّر والتطوّر التي تشهدها المجتمعات التي تقوم على حرية الفرد وعدم التدخّل السلطوي لإحداث التغيير. فهذا النموذج يقوم على نفس النظرة التي تتبناها البنائية الوظيفية في الفكر الغربي. ويفسر إلى جانب ذلك التغيّر الذي يحدث للمجتمعات في أشكالها الاجتماعية حيث يرى أصحاب هذا النموذج أن الأشكال الجديدة قد تم اختراعها أو نقلها من الخارج بفضل الأفراد الذين يبحثون دائماً عن الوسائل الأكثر فعالية لتحقيق الأهداف الهامة للفرد والمجتمع. وهذه الأشكال الجديدة تبقى وتستمر إذا ما كانت تعمل على إنجاز الأهداف بفعالية ولا تتعارض مع القيم الموجودة، بينما يتم رفض ما يتعارض مع ذلك.
أ. أسس نظرية الصراع:
على عكس النموذج السابق الذي يفترض تكامل الأنشطة في المجتمع بغرض تحقيق التوازن والاستقرار، يتبنى آخرون نموذجاً بديلاً يرى أن الصراع هو الأساس في تفسير التغيّر في المجتمع، وإنّه إذا كانت العناصر والأنشطة هي أساس الاستقرار، فإن الصراع بينها هو العملية الرئيسية في المجتمع وإن التغيّر في المجتمع هو نتيجة هذا الصراع، وليس نتيجة التطور أو الارتقاء الطبيعي الذي يحدث بفضل آليات التغيّر الاجتماعي كما ينادى أصحاب النموذج التطوّري.
وتقوم الفكرة على أساس أن المجتمع يتكون من عناصر اجتماعية متصارعة، وأن الصراع كصورة من صور التفاعل بين العناصر المتصارعة هو الذي ينتج عنه التغيّر أو التطوير. وذلك مثل تفكير الفلاسفة القدماء في حدوث التغيير نتيجة للقوى المتعارضة أو المتضادة، وفي إطار المفاهيم العملية الجدلية أو الدياليكتيكية Dialectic Process التي اتخذت أساساً للأفكار الخاصة بالصراع وعلاقته بالتغيير الاجتماعي في كتابات هيجل وانجلز وماركس.
ويمكن تلخيص الافتراضات الخاصة بهذا النموذج في الآتي:
وتظهر أهمية النماذج والنظريات الاجتماعية السابقة في أنها اتّخذت أساساً للعديد من التفسيرات الخاصة بوضع نظام وسائل الإعلام في المجتمع وتأثير هذا الوضع على الأهداف والبناء الداخلي لهذه الوسائل. فهذه النماذج لم تقدم مفاهيم مجردة مثل التعاون والصراع والاستقرار التغيير، لكنّها قدمت أيضاً تأثيرات العلاقات التي تقوم في ظل الأنماط من التفاعل الاجتماعي بين العناصر أو النظم أو المؤسسات داخل المجتمع الواحد.
ب. حدود التأثيرات:
ومن جانب آخر، فإن حدود التأثيرات لا تتوقف على المؤسسات أو النظم في البنائية الداخلية لهذه المؤسسات أو النظم في علاقاتها بتحديد الأهداف ورسم السياسات وإنجاز الأعمال في النهاية، بل تظهر أيضاً في علاقاتها بالجماعات والأفراد باعتبارهم – في شكل ما – هدفاً من أهداف قيام هذه النظم أو المؤسسات في المجتمع.
ولذلك فإن تطبيق هذه النماذج في مجال الإعلام والاتصال يفرض دراسة الوسائل في علاقتها بعناصر بناء المجتمع، وشكل هذه العلاقة الذي يقوم بتأثير الأهداف أو المصالح الجزئية أو الكلية. وكذلك ما تعكسه هذه العلاقة على اتجاهات السياسات الإعلامية والاتصالية لهذه المؤسسات، وما تعكسه أيضاً على ما تقوم به من وظائف بالنسبة للفرد والمجتمع والتي تتجسد في النهاية في بناء الرسالة الإعلام والاتصالية ومحتواها والرموز المختارة لهذا البناء.
وهذا ما قدمته النظريات التي تتبنى البنائية الوظيفية من جانب في تفسيرها لمكونات وعناصر المؤسسات الإعلامية والاتصالية وعلاقتها بالنظم الاجتماعية الأخرى في سبيل دعم استقرار المجتمع وتوازنه من خلال الاعتماد المتبادل. وكذلك ما قدمته النظريات أو الاتجاهات التي تتبنى نموذج الصراع الاجتماعي وتفسير حركة المؤسسات الإعلام والاتصالية واتجاهتها ومخرجاتها في هذا الإطار.
أ. مضمون التحليل الوظيفي:
ومن النظريات التي تتبنى البنائية الوظيفية، نظريات ميلفين ديفلير في النظر إلى المؤسسات الإعلامية كنظم اجتماعية والاعتماد المتبادل بين وسائل الإعلام والنظم الاجتماعية والأفراد وكذلك نموذج هيبرت وزملائه في تأكيد الاعتماد المتبادل على الوجه التالي:
في محاولة لتقديم تفسير حول استقرار وسائل الإعلام في المجتمع الأمريكي، على الرغم مما يوجه إليها من انتقادات عديدة، قدم ميلفين ديفلير وساندرا روكيش رؤيتهما لهذا التفسير من خلال التحليل الوظيفي لنظام وسائل الإعلام في المجتمع وذلك من خلال استمرار وسائل الإعلام في تقديم محتوى الذوق المتدني.
فهذه النظرية ترى بداية أن الإجابة على السؤال الخاص بمن يفرض ذوقه على الآخر الجمهور أم وسائل الإعلام، تعتبر صعبة. فمن الصعب أن نعرف هل يحدد ذوق الجمهور محتوى الإعلام، أم أن محتوى الإعلام هو الذي يحدد للجمهور ذوقه. لأن العلاقة بينهما أصبحت دائرية.
ولفهم طبيعة هذه العلاقة، وتقديم تفسير لاستمرار وسائل الاتصال في تقديم المحتوى الثقافي الهابط أو المتدني، يمكن الاعتماد في ذلك على النموذج البنائي الوظيفي السابق الإشارة إليه من قبل. وتحليل البناء الوظيفي لوسائل الإعلام باعتبارها نظماً اجتماعية Social Systems تعمل في إطار خارجي معين – يمثل الظروف الاقتصادية والاجتماعية – للمجتمع الأمريكي نفسه.
ويهتم تحليل البناء الوظيفي للنظم الاجتماعية بأنماط السلوك Pattern of Action التي تقوم بين الأفراد أو الجماعات الصغيرة التي ترتبط ببعضها داخل هذه النظم.
فالنظام الاجتماعي هو مجموعة مترابطة من السلوك أو الأفعال المتكررة والثابتة التي تعبر عن الثقافة المشتركة للقائمين بأدوار في هذه النظم. والقائم بالدور في النظام الاجتماعي قد يكون فرداً أو جماعة صغيرة. وقد يكون أيضاً نظاماً فرعياً يحتاج إلى تحليل للأنشطة المتكررة التي يقوم بها أفراده، التي قد تؤثّر على النظام بالاستقرار أو عدم الاستقرار.
وبينما يركز التحليل الوظيفي على ظاهرة معينة في نظام اجتماعي، فإنه يسعى إلى الكشف عن نتائج عمل هذه الظاهرة في استقرار وبقاء النظام، أو عدم استقراره وهو ما يطلق عليه "الاختلال الوظيفي" Dysfunction أي تأثير سلبي على النظام.
ويبدأ ميلفين ديفلير تطبيق التحليل الوظيفي على وسائل الاتصال باعتبارها نظماً اجتماعية وتقديمها للمحتوى الثقافي المتدني أي الذوق الهابط، باعتباره أيضاً نشاطاً متكرراً يؤثر في استقرار نظام وسائل الإعلام واستمرارها.
ويحدد المحتوى الثقافي المتدني بأنّه ذلك الذي يحقق إشباعاً لجماهير المتلقين، ويعتبره البعض أنه يحط من مستوى الذوق العام. وإذا كان من الصعب تحديد درجة لهذا المفهوم عند تحليل وسائل الإعلام والاتصال، وإلّا أنه بشكل عام يجد اعتراضاً شديداً من جانب السواد الأعظم من النقاد.
ومع استخدام بعض الأساليب ووسائل القياس والتمييز، نفترض أن محتوى الذوق المتدنى Low – taste Content قد يكون هو ما يوزع على نطاق واسع، ويتعرض له جماهير المتلقين ولكنه يثير استياء النقاد، وعلى سبيل المثال الدراما التليفزيونية التي تؤكّد على الجريمة والعنف أو البرامج الفاضحة والموسيقى المثيرة... إلى آخره، وأي محتوى آخر يسهم في تدهور أو انخفاض مستوى الذوق والأخلاق أو يثير القيام بسلوك غير مقبول اجتماعياً.
ويختلف هذا المحتوى عن المحتوى الذي لا يثير المناقشة Nondebate Content والذي يوزع على نطاق واسع أيضاً ولم يتناوله النقاد إلّا قليلاً. وليست هناك وجهات نظر حول تأثيره على الجمهور، مثل تقارير الطقس، وبعض المحتوى الاخباري والموسيقى التي لا تنتمي إلى السيمفونيات أو الشعبية والمجالات ذات الاهتمامات المتخصصة، والأفلام التي تقدم أفكاراً مفيدة وغيره من أنواع المحتوى الذي لا يؤثر في الذوق ارتفاعاً أو انخفاضاً ولا يهدد المستويات الأخلاقية.
وكذلك محتوى الذوق الرفيع High – Taste Content، وقد يوزع على نطاق واسع وليس من الضروري أن يتعرض له عدد كبير من الجمهور. ويصفه النقاد بأنه الذوق الأرقى، حيث يكتسب أهميته من الارتقاء بالتعليم والأخلاق.
ومن أمثلته الموسيقى الجادة، والدراما التي تثير الجدل والمناقشات السياسية. ويرتفع النقاد بتقديره لأنه المناقض لمحتوى الذوق المتدني الذي يثير اعتراضهم عليه بشكل واضح.
ب. العلاقات بين عناصر النظام الاجتماعي:
وبعد تحديده لمحتوى الذوق المتدني الذي يشكل نشاطاً متكرراً، تبدأ النظرية هذه في تحليل عناصر ومكونات النظام الاجتماعي لوسائل الإعلام، وعلاقاتها ببعضها كالآتي:
- الجمهور Audience: وهو العنصر الأساسي الأوّل للنظام الاجتماعي لوسائل الإعلام، وهو عنصر معقد للغاية، ينقسم إلى فئات متباينة بينها علاقات متشابكة كانت محور دراسات عديدة لعلماء الاجتماع. وتعتبر فئات الجمهور واهتماماته وحاجاته وطبيعة العلاقات بين أفراده، من الآليات المحددة لسلوك هذا الجمهور الذي يتمثل في الاهتمام والتفسير والاستجابة لمحتوى معين.
- منظمات البحث Research Organization: وهي المراكز أو الجهات التي تقوم بدراسة وقياس تفضيل الجمهور، وبالتالي تقدم معلومات للمسؤولين عن اختيارات الجمهور للمحتوى.
وأما الجمهور فهو عنصر من عناصر النظام الذي تدرسه هذه الهيئات أو المنظمات، والتي تعتبر هي نفسها عنصراً ثانٍ من عناصر هذا النظام.
- الموزعون Distributers: وهم الذين ينقلون المحتوى أياً كان نوعه إلى الجمهور ويختلف دور الموزع من وسيلة إلى أخرى، وينتمي إلى نظام فرعي. وهناك ارتباط بين الموزع الأكبر ومنافذ التوزيع المحلية، فالموزع يقوم بتقديم المحتوى والمنافذ تقدم المال.
- ويسعى الموزعون بالدرجة الأولى إلى اكتساب اهتمام الجمهور. وقياس هذا الاهتمام يحصل عليه الموزعون من منظمات البحث التي توفر للموزعين معلومات عن التغذية المرتدة أو رجع الصدى Feed Back حتى يتمكنوا من الكشف عن تقدير الجمهور واهتمامه.
- المنتجون والممولون Producers And Their Sponser: وهذا العنصر هو الذي يقدم التمويل اللازم لانتاج العمل أو الأنماط المتعددة للمحتوى الترفيهي، وفي إطاره هناك عدد أيضاً من الأنظمة الفرعية التي تنتهي بإنجاز العمل وعرضه للتوزيع.
- وكالات الاعلان Advertising Agencies: وهي أحد عناصر التمويل أيضاً وتقدم أيضاً أفكاراً وخدمات معينة، تتمثل في الرسائل الإعلانية.
- نظم السيطرة الفرعية Subsystems of Control: وإلى جانب العناصر السابقة المعقدة والمترابطة ببعضها هناك نظم فرعية أخرى تقوم بالرقابة والسيطرة، مثل الهيئات التشريعية على المستوى الحكومي، وكذلك الجهات التي تنفذ السياسات السابقة تشريعها. ويمثل الجمهور بالنسبة لهذه الهيئات الرأي العام الذي يعتمد عليه هذا النظام الفرعي.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك عناصر أخرى مثل الاتحادات التي تضع النظم والقواعد الخاصة بها، وتقوم بدورها في الرقابة على الموزعين – الظروف الخارجية External Condtitions وتمثل الإطار الذي يعمل فيه هذا ويحدد ما هو المحتوى المسموح به وغير المسموح به. وتمثل النموذج العام للنظام الاجتماعي، والذي تتأثر به وسائل الإعلام كنظام إلى حد كبير. فمن المعروف أن النظام الإعلامي قد تأثر بشدة بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية خلال فترات تطوّر وسائل الإعلام. وهذه الظروف ستظل قوة ثقافية اجتماعية هامة في المجتمع. وفي أمريكا تمثل المعتقدات الخاصة بحرية المشروعات وشرعية الربح، وفضائل الرأسمالية التي تخضع للسيطرة، وحرية التعبير، ظروفاً خارجية يعمل نظام الإعلام والاتصال الأمريكي في إطارها.
وتتضح العلاقة بين هذه العناصر في دعم واستقرار وسائل الاتصال رغم ما يوجه إليها من نقد خاص بتقديمها للمحتوى الثقافي الهابط كالآتي:
يعتبر التمويل هو العنصر الأساسي للنظام الداخلي، فمعظم عناصر النظام تسعى إلى الحصول على المال وتحقيق الربح. وفي سبيل ذلك فإن هذه العناصر جميعها تعتمد في النهاية على أكثر العناصر أهمية وهو الجمهور.
ومن جانب آخر، نجد أن المحتوى الترفيهي يسهم في تجنب حدوث تغييرات جذرية في سلوك الجمهور تؤثر في ثبات واستقرار النظام، وبمعنى آخر يحافظ هذا المحتوى على استقرار النظام.
والمحتوى الترفيهي الذي يجذب أكبر عدد من الجمهور هو محتوى الذوق المتدني أو الهابط. ونظراً لأن الهدف الأساسي للنظام هو تحقيق الربح فإن الجنس والعنف أو أي محتوى آخر يثير الاهتمام ويدعمه يصبح وظيفياً حتى ولو كان من المحتوى الهابط، ذلك لأنه يزيد من حجم الجمهور الذي يتعرض للإعلانات.
وبالتالي كلما زاد حجم الجمهور كلما زاد الإعلان الذي يعتمد عليه المنتجون والموزعون. وهذا ما تؤكده زيادة الإعلانات في أوقات ذروة المشاهدة التليفزيونية عن الفترة التي تقل فيها كثافة المشاهدة.
وقد أثبتت دراسة ويلينسكيWilensky (1964) زيف الفرض الخاص بأن محتوى الذوق الهابط يستميل أكثر غير المتعلمين والذين يمثلون الجمهور المحتمل الأكبر، وذلك لأنه خلال الملاحظة في فترات المشاهدة الفعلية لم يكن هناك تباين كبير في مستوى التعرض لمحتوى الذوق المتدني رغم أن إجابات المتعلمين في الاستقصاءات كانت تدل على تفضيلهم لمحتوى الذوق الراقي.
وبشكل عام فإن هناك أدلة عديدة على أن غير المتعلمين يقضون وقتاً أطول في تعرضهم لوسائل الإعلام، وهم أيضاً أصحاب الدخل المنخفض الذي ربما يعني خفض اختياراتهم بالنسبة للأكثر تعليماً والأعلى دخلاً الذين يعرفون كيف يقضون أوقات فراغهم. وبالتالي فإن غير المتعليمن يتعرضون أكثر لوسائل الإعلام لأنها أحد أشكال المتعة غير المكلفة. وعلاوة على ذلك فإنه لا يجب ان نعتقد أن الدافع الوحيد لقضاء وقت الناس مع وسائل الإعلام هو إغراء محتواها، لأن وسائل الإعلام تشبع حاجات الأفراد بالإضافة إلى الإعلام والترفيه. ورغم ما يقال، يظل محتوى الذوق المتدني هو الأكثر رواجاً، وذلك يجعل هذا المحتوى هو العنصر الأساسي في هذا النظام الاجتماعي لوسائل الإعلام فضلاً عن محافظته على الاستقرار المالي له.
وقد يتمتع الناقد الذي يستنكر المحتوى الهابط ويرى أن هناك علاقة بينه وبين السلوك غير المرغوب به ببعض التأييد مما يؤدي إلى حدوث اضطراب في النظام، وقد يؤدي إلى إبعاد المحتوى الهابط تماماً، إلّا أن هذا المحتوى ما يلبث أن يعود مرة أخرى في شكل مختلف. وذلك لأن وسائل الإعلام لن تتخلى عن أي شكل يجذب اهتمام القطاع الأكبر من الجمهور ويؤثر في قراراتهم الشرائية، فكل المحتوى الذي يجذب الانتباه يكون قادراً على جذب عيون وآذان المستهلك للرسالة الإعلانية.
وباختصار، لقد أصبحت وسائل الاتصال في أمريكا كنظام اجتماعي أكثر استقراراً. قد نتوقع تغييرات في نوع المحتوى الذي يقدم لدعم استقرارها، ولكن في الوقت الحاضر فإن وظيفة ما نطلق عليه محتوى الذوق المتدني هو الأساس في دعم الاستقرار المالي لنظام اجتماعي مؤسسي متكامل مع المؤسسات الاقتصادية الأمريكية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد عرض التصور السابق حول التمسك بتقديم المحتوى الثقافي الهابط لدعم استقرار نظام وسائل الإعلام: هل يمكن أن نجد تطبيقاً لهذا التصوّر في الدول النامية؟ إننا لو قمنا بتحليل الاتصال في هذه الدول لوجدنا أن كثيراً من هذه الوسائل يقع تحت سيطرة السلطة بشكل أو بآخر مما يجعلها أسيرة لهذه السلطة كمصدر من مصادر التمويل. وهذا أيضاً عنصر أساسي في استقرار النظام وهذا ما يجعلها تكون في غنى مؤقت عن سيطرة المنتجين والمعلنين. إلّا أن الأمر يصبح مثيراً للبحث في حالة اتجاه العديد من الدول والحكومات إلى خصخصة وسائل الاتصال في ظل الأمية المتفشية وانخفاض مستوى التعليم والدخول، وما يترتب على ذلك من اختيارات جمهور وسائل الاتصال للمحتوى الذي يحقق الرضي اللحظي لفئات الجمهور التي تتسم بهذه السمات. وبالتالي يمكن أن نتصور تطبيقاً لتصور ميليفن ديفلير في هذه الحالة مع مراعاة الفارق بين النظامين بتأثير الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية في الدول النامية.
ومن جانب آخر، لو أننا نظرنا إلى السينما في مصر لوجدنا إجابة على الأسئلة المطروحة الخاصة بحرصها على تقديم أفلام العنف والجريمة والجنس، إلى آخره، وذلك لإستمالة أكبر حجم من جمهور مشاهدي السينما الذين يتسمون بانخفاض مستوى التعليم والدخل وانخفاض المرحلة العمرية، ولتحقيق سرعة دوران رأس المال والربح الاقتصادي (العنصر الأساسي) الذي يرضى المنتجين والموزعين.
والتصور الذي عرضه ميليفن ديفلير لا يعكس فقط الوظائف البنائية لوسائل الإعلام في المجتمع أو ما يمكن تطبيقه في المجتمعات الأخرى. ولكنه يعكس أيضاً اتجاهات التأثير وشكل المعرفة المتراكمة الناتجة عن التمسك بتقديم المحتوى المتدني لدعم النظام القائم واستقراره. لأن الهدف في النهاية هو الجمهور الذي يعتبر العنصر الأساسي في النظام كما سبق أن أوضحنا.
أ. الحاجة المتبادلة:
يفسر الكثير من الخبراء في الغرب العلاقة بين وسائل الاتصال والنظم الاجتماعية ومؤسساتها في المجتمع على أساس من الاعتماد المتبادل وهو ما يتفق مع الأسس الخاصة بالبنائية الوظيفية أيضاً.
فيرى ديفلير وروكيتش أن العلاقات القائمة على الحاجة المتبادلة بينهما يمكن تفسيرها في إطار مفهوم الاعتماد المتبادل Interdependance. فكل من الاتصال والمؤسسات الأخرى في المجتمع لا تستطيع إنجاز أعمالها وتحقيق أهدافها دون الاعتماد على بعضهما البعض الذي أصبح ملزماً في المجتمع الحديث.
وعلى سبيل المثال يمكن تحديد مجالات اعتماد النظام الاقتصادي على وسائل الإعلام في أمريكا كالآتي:
وفي جانب آخر، نجد أن وسائل الاتصال تعتمد على مصادر النظم الاقتصادية في تحقيق بعض أهدافها مثل 1- تحقيق الربح من خلال الاعلان 2- التطوّر التكنولوجي وتخفيف النفقات والمنافسة من خلال امتلاك المستحدث من المعدات 3- التوسعات من خلال الخدمات البنكية والتمويلية.
وهذا الاعتماد المتبادل بين وسائل الاتصال والنظم الاقتصادية لا يعمل فقط على دعم المفاهيم الخاصة بالحرية الاقتصادية، ولكن يقوم أيضاً بتشكيل أدوار وسائل الإعلام الاقتصادية بالنسبة للأفراد في المجتمع.
وفي مجال النظم السياسية في علاقتها بوسائل الإعلام، نجد أن النظم السياسية تعتمد على وسائل الإعلام في:
ومن جانب آخر، تعتمد وسائل الاتصال في تحقيق أرباحها، وتطوّرها، وتوسعاتها على: 1- التسهيلات القانونية والتشريعية وحمايتها. 2- المصادر الرسمية وغير الرسمية للتغطية الاخبارية 3- العائد الذي يتحقق من الاعلانات السياسية، الاعفاءات الضريبية، الاعلانات المالية.
ومن جانب آخر، يعتمد الكثير من النظم الاجتماعية الأخرى في المجتمع مثل العائلة/ المؤسسات الدينية/ التعليمية/ العسكرية... وغيرها على وسائل الاتصال وما تقدمه من معلومات أكثر من غيرها من الوسائل أو الطرق. بنفس المستوى الذي تعتمد عليه وسائل الاتصال على هذه المؤسسات أو النظم في كثير من مجالات عملها وبصفة خاصة المعرفة المتخصصة التي تقوم بنشرها أو إذاعتها.
وفي نفس الوقت، فإن هذه العلاقات المتبادلة تفسر أسباب وكيفية استخدام الأفراد لوسائل الاتصال وتأثرهم بها. وإن تبعية الأفراد لوسائل الإعلام واعتمادهم عليها يمكن تحديدها في جانبها الأكبر من خلال علاقات الاعتماد المتبادل بين وسائل الاتصال والنظم الاجتماعية الأخرى.
فالفرد الأمريكي يعتمد على وسائل الاتصال كمصدر لتحقيق أهدافه كمواطن من حقه أن يعلم، ويتخذ قراره السياسي بالتصويت، أن يعلم المستحدثات في المجالات المختلفة، أن يرفه عن نفسه، أن يتفاعل مع المشكلات الاقتصادية ويتخذ قراراته الاستهلاكية...
وبطريقة أخرى نجد أن علاقات الاعتماد المتبادل بين وسائل الاتصال والنظم الاجتماعية الأخرى هي التي تحدد الأدوار الاجتماعية لوسائل الاتصال، وتحدد كذلك كيفية استخدام الأفراد لوسائل الاتصال، فالأفراد لا يستطيعون أن يسيطروا على نشر الأنواع المختلفة من الرسائل الإعلامية لأنّه يجب أن يؤخذ في الاعتبار وسائل الاتصال كنظام قائم مع النظم الأخرى. وهذا يحدد من جانب آخر ما ينشر وما لا ينشر، وهذا ما يفسر القول بان علاقات الاعتماد المتبادل بين وسائل الاتصال والنظم الاجتماعية الأخرى تشكل طبيعة اعتماد الأفراد على وسائل الاتصال.
وفي إطار تحليله للنظم الإعلامية، يقدم هيبرت Hiebert نموذجاً يوضح فيه العلاقات المتبادلة بين وسائل الاتصال والنظم أو الخصائص المميزة للمجتمع. فيرى أن العلاقة بين وسائل الاتصال والمجتمعات هي علاقة تبادلية فالمجتمع ينشيء النظام الإعلامي القومي ويقوم الأخير بدوره في تطوير المجتمع أو تغييره. ومع اختلاف المجتمعات تختلف أيضاً النظم الاعلامية، من مجتمع لآخر وبذلك فإن العلاقة بين المجتمع ووسائل إعلامه متفردة، لأنها علاقة متحركة ونشطة وليست ساكنة حيث يؤثر كل منهما في الآخر.
ولمعرفة هذه العلاقة يفضل تحليل النظام الإعلامي كوحدات متميزة، ويقدم هذا النموذج Media System Paradigm الذي صمم ليعكس التفاعل بين وسائل الاتصال في المجتمع، يقدم أساساً للمقارنة، ويسهم في وصف أوجه الاتفاق والاختلاف بين النظم الإعلامية القومية.
ويقوم هذا النموذج على النظرية التي ترى أنه في أي مجتمع هناك عوامل أو قوى اجتماعية تتفاعل بطرق محددة، ومتميزة لخلق نظام إعلامي قومي يستخدم وداء وظائف متعددة ومتنوعة تسهم في إعادة تشكيل هذا المجتمع.
وعلى الرغم من عدم وضوح العلاقة بين وسائل الاتصال والنظم الاجتماعية الأخرى في المجتمع، إلّا أن هيبرت وزملاءه يحاولون من خلال عرض الوظائف أو عرض خصائص المجتمعات تناول علاقات الاعتماد المتبادل بين هذه النظم ووسائل الاتصال. وإن كانت بعض التفسيرات تجنح إلى الاتجاه النقدي في تفسير هذه العلاقات.
ويرى هيبرت أن النظم الإعلامية تستخدم لأداء ست وظائف هي الإعلام والتحليل، والتفسير، التعليم والتنشئة الاجتماعية، الاقناع والعلاقات العامة، الترويج والإعلان ثم الترفيه والفنون. هذه الوظائف التي تقوم بها النظم الإعلامية تقوم بدورها في تغيير المجتمع الذي قام بوضعها. وتأثير وسائل الاتصال وإن كان قابلاً للمناقشة إلّا أنه من المتفق عليه أن وسائل الاتصال تسهم بدورها في تغيير المجتمع وأي مجتمع صناعي آخر في العالم.
وتتأثر نشأة النظام الإعلامي وتطوره في المجتمعات بالعوامل التالية:
ب . عوامل تطوّر النظام الإعلامي:
أ. وجود كفاءات علمية في المجالات النظرية والتطبيقية تسهم في تطوير وسائل الإعلام سواء في مجالات البحث والدراسة أو مجالات التشغيل والصيانة وذلك بدلاً من اعتماد النظام على استيراد التقنيات المتقدمة منها والخبراء أصحاب الاختصاص فيها.
ب. وفرة المواد الخام الخاصة بصناعة الاعلام مثل ورق الصحف وخامات الطباعة، والذي يؤثر النقص فيه إلى الحد من الصحف الصادرة، وعدد صفحاتها.
ج . قدرة المجتمع الصناعية على إنتاج الأجهزة أو الوسائل الإعلامية جماهيرياً أو وفرة الأموال التي تساعده على شرائها، فالنظام الإعلامي لا يعمل ما لم تقم الصناعات المغذية له.
د. المهارات المدربة التي يمكن أن تقوم بدورها في تحقيق وظائف النظم المعقدة، فالوسائل لا يمكن أن تنجز مهامها بدون المهارات التقنية المدربة التي يمكن أن تتعامل مع المعدات، أو في العمليات الانتاجية أو الإدارية للنظام الإعلامي.
وتحدد الظروف الاقتصادية إقبال المتلقين على وسائل الإعلام. ملكية الأفراد للأجهزة، أو المشاهدة الجماعية لها بشكل أو بآخر يؤثر في تحديد الوقت والمكان وطريقة المشاهدة. وكذلك نجد في الولايات المتحدة أن توزيع الصحف المجانية في المجتمعات الطالبية أكبر من تلك التي يشتريها الطلاب. وحتى الصحف المدرسية التي تمول نفسها قليلاً ما تخضع للضغوط الإدارية عندما تتعرض لبعض الآراء الحساسة المثارة.
ويظهر تأثير البناء السياسي واتجاهاته على تطور النظام الإعلام والاتصالي في قدر ونوع السيطرة التي تمارسها الحكومات على وسائل الإعلام. فالقوى السياسية هي التي تضع القوانين والتشريعات التي تعمل في إطارها المؤسسات الإعلام والاتصالية، وتختلف درجة ونوع السيطرة من مجتمع لآخر، وتعتمد على الفلسفات السياسية للمجتمعات وأهدافها.
وربما يكون هذا العنصر هو أكثر العناصر تأثيراً لأن القوى السياسية عادة ما تمارس ضغوطاً مادية بجانب التأثيرات الفلسفية.
ويتأثر النظام الإعلامي بخصائص المؤسسات الإعلام والاتصالية من حيث تقنياتها وأنماط استخدامها. وعلى سبيل المثال فقد أدى ظهور التلفزيون التجاري في الولايات المتحدة إلى تغيير أدوار الراديو والسينما بعد ذلك. فالنظام الإعلام والاتصالي ككل في أي مجتمع يتأثر في تشكيله أو إعادة تشكيله بصورة التفاعل بين وسائل الإعلام. بعض الوسائل أكثر تكلفة من غيرها، وبعضها يناسب بعض الفئات – كالمتعلمين، ولا يناسب غيرها.
خصائص الوسائل في علاقتها بخصائص المجتمعات، تقوم بدورها في تطوير النظام الإعلامي في المجتمع.
ويعكس النموذج الذي قدمه هيبرت وزملاؤه في الشكل علاقات التبادل وإن كان لم يتوسع في تناولها عند الحديث عن علاقة كل عنصر بالنظام الإعلامي والاتصالي، وهو ما يمكن أن يفسر بنفس الأسلوب في إطار الاتجاهات النقدية كما يفسر في إطار الاعتماد المتبادل.
وما لم يذكره هيبرت بالتفصيل في نموذجه، على سبيل المثال، طبيعة الظروف الإقتصادية وعلاقتها بتشكيل النظام الإعلامي، فحيث يسود مبدأ الربح والمشروعات الفردية سوف نجد تجسيداً لعلاقات الاعتماد المتبادل على مصادر التمويل والدعم التي تتمثل في هذه الحالة في الإعلان وهنا يمكن استعادة نموذج ميلفين ديفلير في توضيح دور الاعلام في دعم علاقة الاعتماد المتبادل بين النظام الإعلامي وعناصر النظام الاقتصادي...
ومن جانب آخر، يمكن تفسير هذه العلاقة في إطار علاقة السيطرة التي تفرضها عناصر النظام الاقتصادي على النظام الإعلام والإتصالي وتشكيله في الاتجاه الذي يخدم مصالح هذا النظام في ظل نظام الفردية وحرية المشروعات الذي يميز النظام الرأسمالي، وهو جانب آخر من جوانب التفسير الذي يمكن قراءة النموذج في إطاره، وهكذا في باقي العلاقات الأخرى بين النظام الإعلامي والعناصر الاجتماعية، ولذلك فإن نموذج هيبرت على الرغم من تحديده لاتجاه العلاقة بداية، إلّا أننا كما أوضحنا يمكن تفسيره في إطار كل من نظريات البناء الوظيفي من جانب ونظريات الصراع الاجتماعي من جانب آخر. ولذلك فإننا نرى أن نموذج هيبرت وزملائه يصلح مرشداً لتحليل النظم الإعلامية في المجتمعات المختلفة أكثر من كونه نموذجاً يحدد العلاقة بين النظم الإعلامية والنظم الاجتماعية في هذه المجتمعات. 1- مفهوم المؤسسة الإعلامية: 2- النظرية البنائية الوظيفية Structural Functionalism: 1- النظر إلى المجتمع على أنه نظام يتكون من عناصر مترابطة، وتنظيم لنشاط هذه العناصر بشكل متكامل. 2- يتجه هذا المجتمع في حركته نحو التوازن، ومجموع عناصره تضمن استمرار ذلك. بحيث لو حدث أي خلل في هذا التوازن، فإن القوى الاجتماعية سوف تنشط لاستعادة هذا التوازن. 3- كل عناصر النظام والأنشطة المتكررة فيه تقوم بدورها في المحافظة على استقرار النظام. 4- الأنشطة المتكررة في المجتمع تعتبر ضرورة لاستمرار وجوده. وهذا الاستمرار مرهون بالوظائف التي يحددها المجتمع للأنشطة المتكررة تلبية لحاجاته. 3- نظرية الصراع الاجتماعي Social Conflict Paradigm: 1- الاعتقاد الأفضل عن المجتمع هو أنه يتكون من فئات أو جماعات من الناس تختلف خصائصهم بشدة من فرد إلى آخر. 2- كل عناصر المجتمع تحاول تحقيق مصالحها الخاصة في منافسة مع الآخرين، أو المحافظة على مصالحها بمقاومة الجهود التنافسية للآخرين. 3- تستقر خبرات الصراع في تنظيم المجتمع، نظراً لأن عناصره تحاول تحقيق مكاسب جديدة أو الحفاظ على مكاسبها، وبالتالي فإن الصراع يوجد في كل مكان وزمان. 4- من خلال العملية الجدلية للمنافسة وصراع المصالح تتحقق عملية التغيير، فالمجتمعات ليست في حالة توازن ولكنها في حالة تغيير دائم. 4- التحليل الوظيفي لنظام وسائل الإتصال: 5- الاعتماد المتبادل بين وسائل الإتصال والنظم الاجتماعية:
1- دعم قيم المشروع الحر 2- بناء العلاقة بين المنتجين والبائعين والمستهلكين ودعمها من خلال اعلام المستهلك بالمنتجات المطروحة واستثارة السلوك الشرائي 3- السيطرة على الصراعات الداخلية أو الفوز بها مثل الصراعات التي تقوم بين الإدارة والتحادات، أو مع المنظمات الخارجية. فوسائل الاتصال تعتبر ضرورة، كأداة إعلانية بين المنتجين والمستهلكين. ولكن أيضاً في مجتمع مثل أمريكا أداة للصراع الاقتصادي مع الهيئات الاتحادية، ومسؤولي البيئة وسلطات الضرائب وغيرها من القوى، وذلك بإقناع الجمهور من خلال وسائل الإعلام بموقف الشركات أو المؤسسات من هذا الصراع. 1- غرس القيم والمعايير السياسية الخاصة بالمجتمع ودعمها مثل الحرية والمساواة واحترام القانون والتصويت... إلى آخره 2- دعم النظام والتماسك الاجتماعي 3- تعبئة المواطنين لتبني الأنشطة الضرورية 4- السيطرة على الصراعات التي تظهر بين القوى السياسية أو كسبها أو تلك التي تظهر بين النظام السياسي والنظم الاجتماعية الأخرى. 1-الخصائص الجغرافية والمادية للمجتمع: وتظهر حالات عديدة مثل تأثيرات المناخ- السطح- المساحة- عدد السكان وتوزيعهم... وغيرها من الخصائص التي تؤثّر على النظام الإعلامي في المجتمع، وعلى سبيل المثال استخدام إشارات A.M, F.M، وتأثير التوزيع السكاني والانتشار على الجهود المبذولة للتغطية الإذاعية وتجاوز صعوبات النقل والتوزيع بالنسبة للصحف. 2- الكفاءات التقنية والتي تتمثل في أربع أنواع منها: 3- السمات الثقافية والسياسية: كل مجتمع له أحكامه ومعاييره المتميزة، وأنماطه السلوكية، ووسائله الخاصة في تحديد الأولويات وتعديل السلوك. فهناك العادات الاجتماعية والثقافية والمعايير، والقيم والاتجاهات التي تشكل السمات الثقافية والخصائص الاجتماعية للمجتمع والتي تعتبر ضرورة في تطوير النظم الاجتماعية وتحديد أدوارها. 4- الظروف الاقتصادية: كما يحتاج الإنتاج الإعلامي إلى نفقات ضخمة، فإن اتجاهات المجتمع والأفراد نحو الوسيلة الإعلامية يمكن أن تحدده الخصائص الاقتصادية لها. ويحدد البناء والفلسفة الاقتصادية للمجتمع وظروفه والطرق التي يتم من خلالها تمويل وسائل الإعلام.
المصدر: كتاب نظريات الإتصال